افغانستان بعد اجراء مراسم تحلیف اثنین فی البلد

أدى محمد أشرف غني اليمين الدستورية يوم الاثنين 9/مارس/2020م في القصر الرئاسي، كرئيس لجمهورية أفغانستان الإسلامية. وفي الوقت ذاته أدى منافسه في الانتخابات وشريكه السابق في حكومة الوحدة الوطنية د. عبدالله عبدالله اليمين الدستورية في قصر “سبيدار” الذي لا يبعد كثيرا عن القصر الرئاسي. وقد حضر حفل تحليف محمد أشرف غني عدد من الدبلوماسيين الممثلين للدول الأجنبية وممثلو المنظمات الدولية بما فيهم زلمي خليلزاد. في حين أن حفل تحليف د. عبدالله عبدالله لم يحضره سوى أعضاء فريق الثبات والتعايش، ومؤيدوهم.

في تاريخ 18/فبراير/2020م أُعلنت النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية الأفغانية بعد تأخير استمر لخمسة أشهر، وعُين فيها محمد أشرف غني الفائز في الانتخابات. وفي مقابل ذلك تم رفض النتائج من قبل د. عبدالله عبدالله وقد بنى موقفه على ما سماه بالاحتيال والتزوير في نتائج الانتخابات، وأعلن عن كونه هو الفائز الحقيقي ورئيس البلد، وتحدث عن تشكيل الحكومة الشاملة. وقد قام بالتعريف بولاة ثلاث محافظات: سربل، وجوزجان وبغلان، كما قام والي محافظة بنجشير بإعلان دعم الدكتور عبدالله عبدالله.

وقد ظهرت هذه المناوشات في حين أن دستور أفغانستان حصر طريق الوصول إلى كرسي الرئاسة في عملية الانتخابات، وفوض صلاحية عدّ الأصوات وإعلان نتائج الانتخابات إلى مفوضية الانتخابات المستقلة. في هذا التحليل سنتناول بالنقاش آثار ونتائج أداء اليمين الدستورية من قبل رئيسين.  وفي هذا الصدد لا يمكن غض الطرف عن الدور السلبي الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية. وقد قال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي: “التصرفات المزدوجة والسياسات المولدة للتمييز والتشتت التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أدت إلى تحليف رئيسين للبلد. إذا كانت أمريكا راغبة حقيقة في حل الأزمة لبادرت إلى خطوة بناءة قبل أداء اليمين، ولجنبت البلد بذلك شر التفرق والاضطراب”.

التأثير في عواطف الشعب

الشعب الأفغاني يواجه تحديات عديدة منها: الحرب والتدهور الأمني والفقر والبطالة والاختطاف والسرقة ومشاكل أخرى. الحرب التي استمرت لواحد وأربعين سنة ألحقت –ومازالت تلحق – خسائر فادحة بالشعب. نصف الشعب الأفغاني يعيش تحت خط الفقر، ومن بين كل شخصين قادرين على العمل يوجد واحد عاطل. السرقات والاختطافات والاغتيالات الحقيقية والنفسية تهدد الشعب. وإذا صرفنا الأنظار عن الفساد المنتشر في البلد فإن أداء رئيسين لليمين الدستورية في البلد ولّد بذاته ذعرا بين المواطنين.

في الوقت الراهن لا يدري المواطنين إلى أين يسير مصيرهم. يُضاف إلى ذلك أن التدهور الأمني يؤدي إلى إخراج ما تبقى من ثروات المواطنين، وذلك لأن المستثمرين عندما يشعرون بوجود مخاطر تهدد رؤوس أموالهم فإنهم سيسعون إلى إخراج ثرواتهم من البلد. عندما يرى المواطنون أن السياسيين في البلد مشغولون بالمناوشات السياسية والسلطوية عوضا عن الانشغال باتخاذ التدابير الوقائية من وباء كورونا الجديد، فإنهم يشعرون بالحرمان والخجل.

التأثير على عملية السلام

تحقيق السلام يُعد أحد أهم احتياجات البلد، وذلك لأن الحرب مستعرة في أفغانستان منذ 41 سنة. وقد دمرت هذه الحرب الكثير من قطاعات البلد كما أنها أودت بحياة الملايين. فی تاریخ 29/فبراير/2020م وُقعت اتفاقية السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان، بعد مفاوضات استمرت لثمانية عشر شهرا. ووفق الاتفاقية فقد كان من المفترض أن تبدأ مفاوضات السلام الأفغانية – الأفغانية في العاشر من مارس الجاري، إلا أن ذلك لم يحصل بسبب عدم إطلاق سراح السجناء السياسيين وبسبب عدم استعداد الحكومة والساسة بأفغانستان.

أداء اليمين الدستورية من قِبل رئيسين قد يؤدي إلى نتائج سلبية فادحة، منها عرقلة مفاوضات السلام بين الجهات الأفغانية، وتهيئة الجو للتدخلات من الجهات الأجنبية. كان من المُنتظر أن يكون طرفا مفاوضات السلام الأفغاني حكومة أفغانستان والسياسيين المنضوين تحت مظلتها من جهة، وطالبان من جهة أخرى. إذا لم تُحل المشكلة الراهنة فإنها ستؤدي إلى تشتيت وتعدد جهات التفاوض في عملية السلام، مما سيزيد العملية تعقيدا وصعوبة. يُضاف إلى ذلك أن هناك عناصر وعصابات ترى مصالحها في استمرار الحرب بأفغانستان، ولذا يسعون إلى عرقلة عملية السلام بأي وسيلة ممكنة.

إن انشطار القائمين على الحكم والسياسيين الأفغان سيكبد السلام الأفغاني خسائر أكثر كما أنه سيزيد من إمكانية استمرار الحرب في البلد. لم تكن أفغانستان قريبة من السلام – مثل ما هي الآن – خلال 41 سنة مضت. من جانبٍ هناك شبه إجماع دولي حول قضية السلام في أفغانستان، ومن جانب آخر هناك إجماع وطني داخلي. كما أن كافة الجهات قد قبلت بالتفاوض والحوار كوسائل وحيدة لحل أزمة أفغانستان. وإذا ضُيعت هذه الفرصة لأجل المنافسات والنزاعات على السلطة فإن البلد بلا شك ستدخل حربا داخلية جديدة لأمد غير معلوم.

تأثيرات الحدث على أمن واستقرار البلد

تُعد أفغانستان إحدى الدول ذات الوضع الأخطر أمنيا. ومن أسباب التدهور الأمني في البلد: الحرب والفقر ووجود المافيا السياسية والاقتصادية وتواني الحكومة في تأمين أمن الشعب. ومع ذلك هناك أمن نسبي في مدن أفغانستان والكثير من مناطقها. إعلان حكومتين سيزيد من اضطراب الأمن في أفغانستان وسيكون له تأثير سلبي كبير.

إذا تطور الانشطار إلى حصول انقسام في القوى الأفغانية المسلحة – لا قدر الله – فإن أفغانستان حينها ستخطو نحو أزمة كبيرة تهدد وحدة البلد. مع أنه حتى الآن لا تظهر أي بوادر لانقسام القوى العسكرية إلا أن الأمر بحاجة إلى مزيد من الاهتمام حتى لا تتكرر التجارب الفاشلة التي خاضتها الجماعات الجهادية في تسعينات القرن الميلادي الماضي.

تعطيل لمطالب الشعب

في الحكومات الديمقراطية يتم الوصول إلى سدة الحكم عبر الانتخابات، وقد قبل سياسيو أفغانستان هذا الأمر قبولا نظريا، إلا أن ميدان التطبيق يشهد انتهاكات عديدة. على خلاف حال الدول الأخرى فإن الانتخابات في أفغانستان تكون مصحوبة دائما بنزاعات واختلافات كثيرة، وقد انتهى الحال بالانتخابات الأخيرة إلى إفراز حكومتين متوازيتين. ومن الواضح أن ما حصل سيُضعف ثقة الشعب في عملية الانتخابات وكون الحكم بيد الشعب. مع أن ثقة المواطنين قد كانت من قبل ضعيفة في العملية الانتخابية ويشهد على ذلك تدنى معدل المشاركة الشعبية في عملية التصويت للانتخابات الرئاسية؛ إلا أن الاستهتار بنتائج الانتخابات إلى هذا الحد سيزيل ثقة المواطنين في الانتخابات بالكلية، وسيُضعضع سيادة الشعب بشكل كبير.

هيبة البلد واعتبارها

أفغانستان بلد أحرز الكثير من الانتصارات والمفاخر في تاريخه الممتد لخمسة آلاف عام، رغم كثرة الصعاب والأزمات. مع أن أفغانستان دولة فقيرة ومتضررة بالحرب حاليا إلا أن مكانتها وهيبتها مازالتا محفوظتين في الكثير من المواضع. أفغانستان بلد لم يخضع لأي استعمار، وقدر خلال قرن واحد أن يطيح بإمبراطوريتين. أداء اليمين الدستورية من قبل رئيسين مشهد تمثيلي ساخر أجراه سياسيو البلد؛ وللأسف فإن هذا المشهد وضع علامات استفهام على مكانة أفغانستان.

النتائج

أداء اليمين الدستورية في القصر الرئاسي وقصر “سبيدار” وصمة عار في جبين أفغانستان، تسبب فيها أدعياء الديمقراطية. ولم يُضعضع ذلك حكم الشعب فحسب وإنما أثبت بجلاء عدم صدق من يدّعون الديمقراطية. إذا لم تُحل الأزمة الراهنة فإن نتائجها السلبية ستطال عواطف المواطنين وأمن البلد وعملية السلام والعملية الديمقراطية بأكملها. والأخطر من ذلك أن هذا الانشطار إذا سرى وتوغل في القوات العسكرية للبلاد فإن ذلك سيهدد وحدة أفغانستان وسلامتها واستقلال أراضيها.

لذا من الضروري أن يقوم كل من أشرف غني وعبدالله عبدالله (الشريكان السابقان في الحكم فترة حكومة الوحدة الوطنية) بالوصول إلى توافق لأجل إنجاح عملية السلام والإبقاء على مصالح أفغانسان الكبرى، وأن يحلا النزاع الحاصل بينهما حتى تخرج أفغانستان من الأزمة الحاصلة إلى بر الأمان.

إذا لم يتحل سياسيو البلد ومواطنوه بالحنكة والتيقظ في هذه الفترة الحرجة فإن أفغانستان قد لا ترى نور السلام والأمن من بعد؛ بل والأخطر هو المصير إلى مستقبلٍ أشد إظلاما مما مضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *