النظام التعليمي بأفغانستان؛ تحديات وحلول
الجزء (1): التحديات الداخلية
تُعد أفغانستان إحدى الدول التي تمر بصعوبات في مجالات عديدة منها مجال التعليم، مما له تأثيرات سلبية كثيرة على حركة التنمية في البلد. مع حصول تطورات ملحوظة في قطاع التربية والتعليم إلا أن جودة النظام التعليمي مازالت تشكل تحديا كبيرا بالبلد. تفتقد المدارس إلى التسهيلات اللازمة والجودة المطابقة للمعايير المُعتمدة عالميا. في حين أن كل تطوير إيجابي يقوم على العلم يخلق آفاقا من الأمل. في ظل الجو الخانق لعل الأمل الوحيد الذي بقي لدينا هو أملنا في أن يبذل أبناء البلد جهدا مُضاعفا في التعلم ليغيروا مستقبل أرضهم.
مع حصول تقدم نسبي في السنوات الأخيرة إلا أن النظام التعليمي بأفغانستان مازال يواجه تحديات كبيرة، ووفق تقدير وزارة المعارف فإن نسبة السكان القادرين على القراءة والكتابة لا تتعدى 42% ويعني ذلك أن نحو عشرة ملايين نسمة مازالوا يعيشون في حالة الأمية وتُشكل معظم هذه النسبة النساء القاطنات في الأرياف. في تحليل هذا الأسبوع سنسلط الضوء على التحديات الداخلية التي تواجه النظام التعليمي بأفغانستان.
أبعاد التحديات الداخلية التي تواجه النظام التعليمي
هناك تحديات كثيرة تعترض سبيل التربية والتعليم في البلد، وسنشير هنا إلى أبرزها. مع أن المسؤولين المعنيين بهذا القطاع قدموا وعودا بإصلاح الخلل الموجود ووُضعت في الحسبان بعض الخطوات الممهدة لذلك إلا أن سبيل إصلاح المنظومة التعليمية يبدو طويلا لتشابكها بالأوضاع المتأزمة السياسية والاقتصادية.
هشاشة الأسس التعليمية
كثيرا ما نتج التخلف في مجال التربية والتعليم عن ضعف الأسس التعليمية التي يتلقاها الطلبة في الصفوف الابتدائية، حيث يرتقي الطلاب إلى المرحلة المتوسطة مع عجزهم عن إقامة الحروف والكلمات والجمل والحساب. ومما يؤسف له هو تكليف المعلمين المفتقدين للخبرة بتدريس الصفوف الابتدائية في حين أن الأساس العلمي الذي يبني عليه الطلاب جميع مهاراتهم العلمية إنما يتشكل في الصفوف الابتدائية، وقد قال الشاعر ما معناه:
إذا وُضعت اللبنة الأولى في الجدار بشكل معوج
فسيبقى الجدار معوجا ولو ارتفع إلى السماء
كما أن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى هشاشة الأسس التعليمية لدى الطلاب، منها: اختلال الجو الدراسي بسبب تكدس الطلاب في الفصول، وعدم ثقة الطلاب في المدرس لأي سبب أو نفورهم منه، وغياب الطلاب بشكل متكرر، وثقل المادة العلمية على أذهان الطلاب، والبيئة التعليمية غير المناسبة والتي تُسبب اختلال العملية الدراسية وتوجب رغبة الطلاب عن الدروس في الصفوف الابتدائية ومن ثم مواجهتهم لصعوبات أكبر في المراحل الدراسية التالية مع فقدان للرغبة في التزود من الدروس.
ضعف أساليب التعليم
إن النظام التعليمي يُعد أحد الأنظمة الاجتماعية المهمة في كل بلد. التعليم هو العامل الذي يُفرز التغييرات المطلوبة في وعي وفكر وتصرفات الأطفال والمراهقين والشباب، شريطة أن تتم عملية التربية والتعليم بالطرق المناسبة وتُعرض المادة التعليمية للطلاب بصورة حسنة. مع حدوث تطورات كبيرة في دول المجتمع الدولي من ناحية تطويع التكنولوجيا لخدمة المجال التعليمي إلا أن بلدنا مازال يستخدم الأساليب والوسائل التقليدية القديمة. على سبيل المثال يكتب الطلاب المسائل الحسابية من جهة اليمين ثم يقرؤونها من جهة اليسار، وعندما يرتقون في الصفوف العليا يعلمون أن المسائل الحسابية والرياضية إنما تُكتب من جهة اليسار.
علاوة على ذلك، وفق معايير وزارة المعارف الأفغانية فإن المعلم يجد نفسه أمام عدد 45 طالب، كما يُسمح بعدد أقل في فصول البناب بسبب قلة المعلمات. ويزداد عدد الطلاب عاما بعد عام، وحاليا يدرس في الفصل الواحد نحو 60 تلميذا وهو عدد يعجز المعلم عن التحكم في الفصل معه. السبب الآخر الذي له دور سلبي على جودة التعليم هو قلة وقت الحصة التي لا تتجاوز 35 دقيقة ، وفي هذا المدة على المعلم أن يُقيم فهم الطلاب حيال الحصة السابقة، ويتابع الواجبات المنزلية ويشرح الدرس الجديد ويحل مشكلات الطلاب فيه.
انخفاض جودة المناهج التعليمية
إن نزول مستوى المناهج التعليمية عن المعايير المعتمدة يُقلل من جودة التعليم. الكتب الدراسية في بلدنا مليئة بالتعقيد. يعجز الطلاب في المراحل الابتدائية عن تهجي الحروف ومع ذلك نجد أن الكتب الابتدائية تُشير إلى الحروف إشارة عابرة ثم تتضمن دروسها بها جُمل. الكثير من الطلاب بسبب مشاكل مادية وعائلية لم يتلقوا التعليم قبل المدرسي كما أن المعلمين بسبب قلة الوقت المتاح ولأجل تطبيق الخطة الدراسية لا يستطيعون أن يُساعدوا الطلاب في اكتساب المهارات الأساسية، ويواجه الطلاب فقرات مطولة تسبب إحباطا لهم وينتج عن هذا الإحباط تخلف في الدراسة. كما أن هناك مواد غير ضرورية يدرسها الطلاب، مثل مادة التربية الوطنية والحِرف، في حين أن المواد المهمة مثل مادة اللغة العربية تظهر للطالب دون أدنى مقدمة في الصف السابع وتنتهي بنهاية الصف التاسع. إن عدم مطابقة المناهج التعليمية للمعايير المعتمدة يتسبب في زيادة المواد على حساب جودتها واستيعاب الطلاب لمحتوياتها.
مشاكل في النظام التعليمي
أنظمة التعليم في العالم تُكسِب الطلاب مهارات القراءة والكتابة مع فهم عام لجميع المواد، وبعد ذلك يقدر الطلاب على اختيار المواد التي يميلون إليها وتساعدهم على الوصول إلى المجال العلمي الذي ينشدون، كما تُمتحن معلوماتهم في امتحان القدرات بعد الثانوية في المواد المتعلقة بالتخصص الذي اختاروه. إلا أن الطلاب في بلدنا مُجبرون على دراسة جميع المواد دون اعتبار رغبة الطالب في أحد التخصصات، وعليهم أن يحصلوا على الامتياز في جميع المواد حتى يُحصلوا الدرجات العالية. يُضاف إلى ذلك أن بعض المواد تبقى ناقصة مثل مادة اللغة العربية التي يبدأ تدريسها في الصف السابع ثم تُترك بنهاية الصف التاسع.
ضعف مستوى المعلمين
بسبب قلة رواتب المعلمين وعدم الاهتمام باحتياجاتهم الأساسية فإن معظم المدرسين المهرة يخرجون من البلد أن ينشغلون بمهام وحرف أخرى، أو أنهم بسبب بُعدهم عن التدريس يعجزون عن الاستمرار في هذا المجال. كما أن عددا من المفتقدين للخبرة يُعينون كمعلمين بما لديهم من وساطات. وما أكثر ما يتفوق الطالب على المدرس ويكون المدرس جاهلا بأنظمة التعليم الجديدة. إن أساليب التعليم تُعد مهمة للغاية، فالأساليب التي يتبعها المعلم الماهر هي التي توصل الطلاب إلى منازل علمية عالمية. معظم المعلمين في أفغانستان ليسوا محترفين وخصوصا الذين يعيشون في المناطق النائية،
كما أن الظروف لم تساعدهم لاستكمال دراساتهم الجامعية. الندوات التدريبية للمدرسية ضعيفة في الغالب كما أن المعلمين يفتقدون للمهارات المطلوبة، مما يُضعف رغبتهم في الالتحاق بالدورات التدريبية. إن غلاء الأسعار قد أضر بعملية الشراء لدى المواطنين، والمعلمون من جملة الفئات المتضررة من ذلك، فهل يستطيع المعلم الذي ليس مستقرا من الناحية المادية ان يُربي ناشئتنا وهو مرتاح البال؟
عدم مساعدة الوالدين
هناك طلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة ذهنيا، وإذا تعاون الوالدان مع المدرسين حيال هؤلاء الطالب واجتهدوا باستمرار ولو قليلا لمكنوا أبناءهم من منافسة الطلاب الآخرين. من أسباب نزول جودة الحالة التعليمية في البلد أمية الوالدين، حيث يعجزون عن تعليم أطفالهم التعليمات الابتدائية ومتابعة دروسهم وحضورهم وأدائهم للواجبات، وقد أدى كل ذلك إلى انخفاض جودة التعليم.
الصعوبات الاقتصادية
معظم طلاب المدارس يزاولون الأعمال بسبب مشاكلهم الاقتصادية. والذين لا يعملون منهم يواجهون اضطرابات نفسية. وإذا تقابل في الفصل طرفان مضطربان نفسيا (المعلم والطالب) فمن الطبيعي أنهم سيعجزون عن عمل ما عليهم.
نستطيع أن نعدد بشكل مجمل بعض التحديات في المجال التعليمي مثل ضعف مستوى المعلمين، وعدم وجود تواصل بين المعلمين وأولياء الأمور، وعدم وجود أدوات للتحرير والكتباة، وعدم وجود الجو المحفز، وعدم معرفة الطلاب بطرق التعلم، وقلة المياه الصالحة للشرب، وعدم إكمال بعض المواد الدراسية، وضعف ميل الطالب نحو التعلم والمعلم، والتركيز على بعض الطلاب وإغفال الآخرين، وعدم انضباط الطلاب والمدرسين في حضورهم إلى الفصل، وغير ذلك. وقد تسببت هذه التحديات في عرقلة مسيرة التعليم والتربية وشكلت حواجز في طريق تطورها .