القیادة الثنائیة فی البلد و عملیة السلام البطیئة
في تاريخ 22 مارس 2020 م قدم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى كابل في سفر مفاجئ ليناقش كلّا من الرئيس محمد أشرف غني والرئيس التنفيذي السابق عبدالله عبدالله حيال خلافهما على كرسي الرئاسة ولأجل تشكيل حكومة شاملة تقدر على إزالة العقبات التي تعترض سبيل تطبيق اتفاقية السلام الموقعة بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الوضع في كابل يبدو متـأزما. هل باتت الخلافات بين المتنازعيْن على الحكم بعد الانتخابات عقبة في طريق السلام؟ وماذا حل بقضية الإفراج عن سجناء طالبان المعتقلين لدى الحكومة؟ وكيف يتم استشراف عملية السلام المنشودة؟ أسئلة نجيب عنها في هذا التحليل.
سفر مايك بومبيو وصراع القادة
قبل عدة أيام قدم مايك بومبيو إلى كابل لحل الخلافات الحاصلة بين الرئيس محمد أشرف غني والرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله . إلا أن بومبيو الذي حل مكان الوزير الأمريكي السابق جون كيري لم يقدر على التوفيق بين محمد أشرف غني وعبدالله عبدالله لأجل تأسيس حكومة شاملة، ومن ثم بعد عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا يتضمن تقليل مليار دولار من الدعم الأمريكي للحكومة الأفغانية خلال العام الجاري. إضافة لذلك فقد وضّح البيان أن الحكومة الأمريكية ستجدد النظر في كميات الدعم الأخرى خلال المؤتمرات التي ستعقد مع الدول الداعمة لأفغانستان.
من جانب هناك مخاوف من انتشار فيروس كورونا الذي اجتاح العديد من الدول، ومن جانبٍ آخر فإن تقليل الدعم الأمريكي المقدم للحكومة الأفغانية سيؤثر سلبيا على الاقتصاد الأفغاني. بعد إصدار البيان المذكور ألقى الرئيس محمد أشرف غني كلمة متلفزة وضّح فيها أن تقليل الدعم الأمريكي لن يكون ذا تأثير بالغ على الاقتصاد الأفغاني وذلك لأن الحكومة قد اتخذت استعدادات مسبقة لمثل هذه الأوضاع. كما أضاف أنه مستعد لقبول مقترح تشكيل الحكومة الشاملة وذلك بتخصيص كراسي وزارية لفريق منافسه الانتخابي عبدالله عبدالله ضمن تشكيلة الوزراء الجديدة.
إلا أنه أكد على رفضه للمطالبات التي تناقض دستور البلد واتهم الدكتور عبدالله عبدالله بأن مطالباته تخالف الدستور. ومن جانب آخر صرح د. عبدالله عبدالله في مؤتمر صحفي أنه – نظرا للأوضاع الحرجة التي تمر بها أفغانستان – مستعد للكثير من التنازلات، واتهمَ محمد أشرف غني بأنه مُصر على مطالبته ولذا تم تقليل الدعم الأمريكي للحكومة الأفغانية. وعدّ هذا التقليل من جانب الحكومة الأمريكية الخطوةَ الأولى، وقال بأن هناك مخاوف من تقليصات أخرى تتبعها. مع أن كلا من محمد أشرف غني والدكتور عبدالله خلال فترة الدعايات الانتخابية قد أكدا على عدم السماح بتكرار تجربة حكومة الوحدة الوطنية إلا أنه يظر من سفر مسؤولي الولايات المتحدة إلى أفغانستان وتصريحاتهم أن القادة الأمريكيين يريدون إعادة تجربة حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان.
عملية السلام و الإفراج عن السجناء
وفق اتفاقية السلام الموقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان فإن من الضروري لأجل بدء المفاوضات الأفغانية الداخلية أن تُفرج الحكومة عن خمسة آلاف من سجناء طالبان مقابل إطلاق سراح ألف سجين من سجناء الحكومة المعتقلين لدى التنظيم. وبعد مفاوضات عديدة فقد أبدت الحكومة استعدادها لإطلاق سراح أول دفعة من سجناء طالبان من مُعتقل بجرام. ووفق الاتفاقية الموقعة فإن على طالبان أن تبدأ المفاوضات الأفغانية الداخلية، ووُضح في الاتفاقية أن إطلاق سراح السجناء من الجانبين سيقوي جو الثقة المتبادَلة بين الطرفين.
يظهر من تكرر رحلات المندوبين الأمريكيين إلى كابل أن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بالاتفاقية الموقعة، إلا أن سعي الحكومة الأمريكية في تشكيل حكومة مشتركة في أفغانستان يدل على أنها تتخذ خطواتها حيال أفغانستان مع وضع مصالحها في الحسبان، وذلك لأنها إذا كانت ترغب حقيقة في إحلال السلام بأفغانستان لأمضت عملية السلام قبل الانتخابات الرئاسية الأفغانية. من جانب آخر فإن الإفراج عن معتقلي طالبان من معتقلات الحكومة قبل البدء بمفاوضات السلام الأفغانية الداخلية والامتناع عن الحديث بشكل رسمي مع الحكومة الأفغانية سيعرقل عملية السلام وسيوجه بوصلتها إلى وجهة مجهولة.
وقد انعقد اجتماع عبر الفيديو بين مندوبي الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة وقطر ومندوبي طالبان واعتزم التنظيم إرسال وفد لتأكيد قائمة السجناء المطلوب تسريحهم، إلا أن العملية أُجلت بسبب وباء كورونا، ويُعتزم إرسال الوفد قريبا. كما أن إنهاء البحث حول قضية السجناء يخلق أملا واعدا ببدء عملية إطلاق سراح السجناء في التاريخ المعين وهو تاريخ 31/مارس/2020م.
تشكيل الجنة الداخلیة لمفاوضات مع الطالبان
في يوم 28/مارس/2020م شكلت الحكومة لجنة مكونة من 21 شخصا برئاسة معصوم ستانكزي للمشاركة في المفاوضات الأفغانية الداخلية. وقد أعلنت وزارة الدولة لشؤون السلام أن اللجنة تم تشكيلها بعد التشاور مع كافة الجهات المعنية. وقد صرح عدد من القادة السياسيين الأفغان أن الحكومة شكلت اللجنة وفق رؤيتها الخاصة بها، وأنه لم يتم التشاور معهم حيال تشكيل هذه اللجنة.
بالنظر في قائمة أفراد اللجنة يظهر أنها اشتملت على مندوبي الأحزاب الكبرى وناشطي المجتمع المدني وقضايا حقوق المرأة، إلا أن تجارب وخبرات أعضاء هذه اللجنة قد لا تؤهلهم للتضلع بمهام المسؤولية الملقاة على عواتقهم بسبب تعقيد قضية السلام الأفغاني. من جانب آخر فإن آخر بيان صادر عن تنظيم طالبان يرى اللجنة غير شاملة لكافة فئات الشعب الأفغاني ويؤكد أن اللجنة المقبولة لدى طالبان هي اللجنة التي يرتضيها الشعب كافة، ولذا فإن التنظيم ليس مستعدا للتفاوض مع الحكومة الأفغانية كجهة رسمية كما أن التنظيم يرفض تشكيلة لجنة التفاوض المذكورة .
إن النزاعات الحاصلة حول تشكيل لجنة التفاوض لن تعرقل عملية إطلاق سراح السجناء فحسب وإنما تُعد حجر عثرة في طريق عملية السلام بأكملها. ومن معوقات السلام كذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية التزمت ببنود الاتفاقية مع طالبان ومن جهة أخرى تلوم أفغانستان حيال عدم الالتزام بتلك البنود، مُزيلة بذلك اللوم عن نفسها. من جانبٍ تُبدي الولايات المتحدة التزامها بإطلاق سجناء طالبان، ومن جانبٍ آخر تمهد لتنازع رئيسين على كرسي الرئاسة في أفغانستان ثم تُطالبهما بتشكيل حكومة شاملة لكي تبدأ مفاوضات السلام الأفغانية الداخلية.
النتائج
إن من أسباب تعقيد الأزمة في البلد هو وجود رئيسين، وكذلك عدم التقيد بما تم الاتفاق عليه بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية. على سبيل المثال، شُن هجوم مسلح على معبد للهندوسيين في كابل، ويرى البعض أن مثل هذه الأحداث يُراد منها إفساد عملية السلام الراهنة في أفغانستان.
مع وضع تعقيد قضية السلام الأفغاني في الحسبان، إذا أراد طرفا النزاع بأفغانستان (الحكومة الأفغانية وتنظيم طالبان) أن يحل السلام الدائم بأفغانستان فينبغي أن تُحل جميع القضايا التي تُعرقل السلام وتخلق تحديات في طريقه، وبالنظر في التجارب المرة التي مرت بها أفغانستان فإن كلا الطرفين قادر على تخفيف وطأة المشاكل التي تعترض طريق السلام.
على الساسة الأفغان أن يلعبوا دورا وسيطا لحل النزاع الحاصل بين الرئيس محمد أشرف غني والدكتور عبدالله عبدالله، حتى لا تضيع فرصة السلام القائمة حاليا، ويُستفاد منها بشكل كامل. كما يقدر السياسيون أن يوجِدوا جوا من الثقة المتبادلة بين الحكومة الأفغانية وطالبان – كما فعلت الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى – لكي يتم وقف إطلاق النار في كافة أرجاء البلد ويعم السلام مكان الحرب.