فتح طرق (طورخم) و (تشمن) الحدودية وتأثيراتها على السوق الأفغانية

أفغانستان محصورة بموجة الجفاف من جانب واعتمادها على الاستيرادات من جانبٍ آخر، لذا فإن البلد يُجري تبادلاته التجارية مع الدول المجاورة وخصوصا باكستان، عبر الطرق الأرضية.

مع أن أفغانستان في السنوات الأخيرة قدرت على نحو ما من خلال المعابر الجوية وخصوصا معبر (جابهار) أن تقلص أضرار الجفاف الحاصل في البلد وتسد احتياجها التمويني بالتبادل التجاري من الطرق المذكورة، إلا أن المشكلة لم تلبث أن عادت من جديد مع اجتياح فيروس كورونا الذي قوّض أركان اقتصاد العالم ولم يضر فقط بأفغانستان وما شاكلها من الدول الفقيرة وإنما خلق تحديات اقتصادية كبيرة في الدول الغنية حول العالم.

ولأجل مكافحة انتشار الفيروس توقفت حركة السفر والعبور بين جميع دول العالم تقريبا، وتم فرض حجر كامل على مُدنها. وعلى هذا الأساس قامت كلٌّ من دولة باكستان وأفغانستان باتخاذ خطوات وقائية مما أحدث ضغطا على السوق الأفغانية وارتفعت أسعار التموين عاليا في البلد. مع أن الحكومة سعت في ضبط الأسعار إلا أنها حسبما يبدو آخذة في الصعود. في تاريخ 8/أبريل/2020م أعلنت باكستان فتحها لاثنين من المعابر الحدودية المهمة بينها وبين أفغانستان للتبادل التجاري. يا تُرى ما هي تأثيرات فتح طريقَي “طورخم” و “جمن” على السوق الأفغانية؟ سنتناول هذه القضية بالبحث في هذا المقال.

إغلاق المعابر الحدودية، وتأثيراتها على السوق الأفغانية

في 13/مارس/2020م عُقد مؤتمر عن بُعد ضم دول رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، وقد طلب فيه الرئيس الأفغاني من قادة الدول الأعضاء بأن يُبقوا المعابر الحدودية مفتوحة لعبور التموينات الغذائية والدوائية الضرورية.   وقد رحّب بهذا الطلب كل من رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي ووزير الصحة الباكستاني ظفر مرزا. إلا أن قيام دولة باكستان بإغلاق معبرَي طورخم و جمن بينها وبين أفغانستان في الثالث والسادس عشر من مارس   تسبب في ارتفاع أسعار السلع الأساسية في السوق الأفغانية لما وُجد من احتكار بعض التجار.

ولأجل حماية الشعب من أضرار تزايد أسعار السلع الأساسية أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني لشعبه في 17/مارس بأن الدولة ستُخرج من مخزونها الإستراتيجي مقدار 24 ألف طن من القمح ليتم توزيعها على الفقراء والمعدومين.  كما أمر بإيصال المواد الغذائية المتوقفة على حدود أفغانستان الشمالية إلى الأسواق دون غرامات أو ضرائب، وأبدى استعداد البلد لتلقي مقدار 75 ألف طن من القمح من الهند في المستقبل القريب. من جانب آخر قدم مجلس الغرف التجارية الأفغانية طمأنة باستمرار حركة استيراد السلع الأساسية، ولذا خف قلق عامة المواطنين من حلول أزمة وشح في المواد التموينية الأساسية.

من شهر يوليو العام الماضي وحتى يناير من عام 2020م انخفضت تصديرات باكستان إلى أفغانستان من 676.2 مليون دولار إلى 633.1 مليون دولار، مما يُظهر نزولا بنسبة 7 في المئة.  وهذا الانخفاض يدل على أن التبادل التجاري الأفغاني مع الدول المجاورة عبر الطرق البديلة الأخرى قد زاد.

إلا أن طلب أفغانستان من باكستان أن تفتح حدودها يدل على أن أفغانستان مازالت بحاجة إلى استمرار التبادل التجاري معها وترى أن هذا التبادل يصب في مصالح البلدين. وذلك أنه إذا كانت عملية الاستيراد من باكستان غير مكلفة اقتصاديا بالنسبة لأفغانستان، فإن عملية التصدير من باكستان إلى أفغانستان تُنعش كذلك الاقتصاد الباكستاني الذي بات منذ سنوات يواجه تحديات صعبة، وذلك بزيادة مبيعاتها في أفغانستان.

ومع اجتياح وباء كورونا وتأثيراته السلبية على الأسواق العالمية مُخفضا التبادل التجاري بين جميع الدول، فإن فتح معابر طورخم و جمن لعب دورا إيجابيا في إبقاء أسعار السلع الأساسية مستقرة في أفغانستان. إضافة لذلك فإن فتح هذه المعابر يلعب دورا إيجابيا في إنجاح عملية السلام كما أنه سيفيد في توطيد العلاقات السياسية بين الدولتين المجاورتين.

في عام 1965م تم توقيع اتفاقية عبور البضائع التجارية بين أفغانستان وباكستان والمسماة بـ (APTTA) وقد تم تجديدها عام 2010م

وفق الاتفاقية المذكورة فإن الشاحنات الأفغانية يُسمح لها بعبور أرض باكستان حتى تصل إلى معبر واجه الحدودي بين الهند وباكستان، وتُفرغ الشاحنات حتى تُنقل بضائعها إلى الهند، وفي المقابل يُسمح للشاحنات الباكستانية أن تدخل جميع أسواق أفغانستان حتى تُباع سلعها في السوق الأفغانية.

في سفره الأول نحو باكستان عام 2014م صرح الرئيس الأفغاني أشرف غني عن مخطط الحكومة لرفع معدل التبادل التجاري بين البلدين ليبلغ بحلول عام 2017م قدرَ خمسة مليارات دولار  ، إلا أن تزايد التوترات السياسية بين البلدين ووضع العوائق من قِبل باكستان في طريق التجار الأفغان وإغلاق المنافذ الحدودية في وجه أفغانستان بشكل مكرر كبّد التجار الأفغان خسارات تُقدّر بملايين الدولارات. وقد قلّل كل هذا من رغبة التجار الأفغان في استيراد البضائع من باكستان وباتت الحكومة الأفغانية تسعى لإيجاد طرق بديلة. ولهذا زاد معدل التبادل التجاري بين أفغانستان من جهة والهند وإيران من جهة أخرى عبر معبر جابهار الحدودي، وخسرت باكستان فرصتها في أن تكون أفغانستان سوقا كُبرى لبيع منتجاتها.

النتائج

إن فتح معابر طورخم و جمن الحدودية بين باكستان وأفغانستان لمدة ثلاثة أيام كل أسبوع تُساعد على تحسين الحالة الاقتصادية في البلدين وتوفير فرص عمل أكثر للعمالة. إلا أنه يتوجب على البلدين العمل على إيجاد حلول اقتصادية طويلة المدى وذلك لكون البلدين تواجهان أزمات اقتصادية صعبة كما أن قطاع الاستثمار راكدٌ حاليا بسبب أزمة وباء كورورنا.

التبادل التجاري بين أفغانستان وباكستان يختل بشدة مع إغلاق المعابر الحدودية بين البلدين وخصوصا عند إغلاقه من الجانب الباكستاني، وكذلك عند رفع الضرائب على عبور البضائع. ولهذا فإن الإحصائيات الأولية تُظهر أن التصديرات من باكستان إلى أفغانستان خلال الشهر الأول من العام الجاري بلغت 89.9 مليون دولار، في حين أن هذا الرقم في العام الماضي بلغ 141.5 مليون دولار.

فتح معابر طورخم وجمن الحدودية سيتسبب في سد حاجة البلد من السلع الأساسية كما أنه سيحافظ على بقاء أسعارها مستقرة نسبيا. كما أن التبادل التجاري النشيط بين البلدين سيخلق جوا من الثقة التي تؤثر إيجابيا على الحركة التجارية مع آسيا الوسطى وجنوب آسيا، الأمر الذي سيزيد من رغبة دول المنطقة في إرساء السلام بأفغانستان.

لأجل تنمية حركة التبادل التجاري بين البلدين لا بد من إزاحة العراقيل الحالية ومن ذلك تسهيل الحصول على تأشيرة الدخول إلى باكستان، وتخفيف ضرائب عبور البضائع، وعدم إغلاق المعابر الحدودية بشكل مفاجئ، مما سيخلق فرص عمل كثيرة للعمالة المحتاجة كما أنه سيقوي العلاقات الاقتصادية والشاملة بين البلدين.

كما أن على الحكومة الأفغانية أن لا تكتفي بفتح الطرق أمام الواردات التجارية، وإنما عليها كذلك أن تسعى مستعينة بالمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الإنسانية أن تضع حدا للعنف الجاري في البلد؛ وفق ما ناشد به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش.  كما ينبغي على المنظمات الداعمة الدولية والمؤسسات الإغاثية أن تقف وقفة مساندة للشعب الأفغاني في هذه الفترة الحرجة؛ أكثر من أي وقت مضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *