التطورات الأخيرة في ملف السلام الأفغانی ومسارها المستقبلي
بدء المفاوضات الأفغانية يُعدّ خطوة أساسية من خطوات عملية السلام وفق الاتفاقية الموقعة في 29/فبراير/2020م بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد أبرمت وعدا لطالبان بالإفراج عن سراح خمسة آلاف من المعتقلين المنتمين لطالبان لدى معتقلات الحكومة الأفغانية. الإفراج عن سراح هؤلاء السجناء هو الشرط الأساسي الذي اشترطته حركة طالبان للبدء في المفاوضات الأفغانية الداخلية، وهكذا فإن الحكومة الأفغانية – التي لم تكن ضمن أطراف الاتفاقية الموقعة – هي الجهة التي يتوجب عليها الإفراج عن هؤلاء السجناء حسب الاتفاقية. ورداً على هذا الإلزام رفض الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني قضية الإفراج عن المعتقلين وعدّ ذلك من صلاحيات الحكومة الأفغانية. بالإضافة إلى ذلك فإن النزاعات بين محمد أشرف غني وعبدالله عبدالله قد احتدمت حيال نتائج الانتخابات الرئاسية، ولذا لم تُشكل لجنة مستوعبة لفئات الشعب الأفغاني لتشارك في المفاوضات الأفغانية الداخلية مع طالبان.
بالتزامن مع قضية الإفراج عن المعتقلين والأزمة السياسية فإن حالة المشهد الأفغاني زادت تدهورا بسبب وباء كورونا العالمي. الولايات المتحدة الأمريكية عقب تفشي الفيروس فيها انشغلت بحالها وتباطأ تحركها حيال السلام الأفغاني عن وتيرته السابقة. وبسبب انتشار وباء كورونا فقد خفّت ضغوط المجتمع الدولي على الحكومة الأفغانية حيال ملف الإفراج عن المعتقلين، وتأسيس الحكومة الشاملة وتعيين اللجنة المشاركة في مفاوضات السلام، وهكذا حظيت الحكومة الأفغانية باستراحةٍ من المضيّ قدما في عملية السلام.
نستطيع أن نوجزَ فنقول إن هناك ثلاثة عوائق تعترض طريق السلام الأفغاني وبدء المفاوضات الأفغانية الداخلية وفق الاتفاقية الموقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان، وهي: الإفراج عن سراح السجناء المنتمين لطالبان ومعها قضية زيادة العنف والحرب، وثانيا: النزاع حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأفغانية وتشكيل لجنةٍ مُفاوِضةٍ شاملة، وثالثا: تأخير جميع التحركات والخطط السياسية إلى الدرجة الثانية والاهتمام الأوّلي بملف جائحة كورونا العالمية. سنتناول العناصر المذكورة بالتفصيل فيما يلي.
الإفراج عن السجناء، وشدة المعارک فی البلد
عندما وضعت الحكومة الأفغانية عوائق أمام عملية الإفراج عن المعتقلين، قامت حركة طالبان بتوسيع هجماتها العسكرية. وهكذا انقضت مدة تقليص الحرب وزاد معدل العنف. كثّف تنظيم طالبان هجماته على القواعد الحكومية العسكرية في مختلف الولايات، وسقط ضحية ذلك عشرات الضحايا من الجنود والمدنيين. القوات الأجنبية شنت هجمات مضادة على تنظيم طالبان دفاعا عن الحكومة الأفغانية، ونتيجة لذلك تم تبادل الاتهام بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية بنقض الاتفاقية الموقعة بين الطرفين. استدلت طالبان لهجماتها بعدم تنفيذ الولايات المتحدة الأمريكية ما التزمت به من الإفراج عن سراح سجناء التنظيم البالغ عددهم خمسة آلاف شخص، كما أضاف التنظيم أنه لم يلتزم في الاتفاقية الموقعة بتقليل العنف.
من جانبٍ آخر، اضطر الأمريكيون لأجل الحفاظ على التوازن السياسي أن يشاركوا في حفل إجراء محمد أشرف غني لليمين الدستورية؛ وذلك حسبما اتفقوا عليه مع طالبان في الاتفاقية الموقعة. ونتيجة لهذا الحضور الأمريكي رجحت كفة محمد أشرف غني، وقد قبلَ في حفل اليمين الدستورية الإفراج عن عدد 1500 شخص من عناصر طالبان، كما اشترط لإطلاق سراح البقية بدءَ المفاوضات الأفغانية الداخلية. يرى تنظيم طالبان أن اشتراط أي شيء للإفراج عن سراح المعتقلين أمرٌ مخالف للاتفاقية الموقعة ويُعد مرفوضا من جانبهم. وانتهى المطاف بالطرفين إلى الإفراج عن عدد من السجناء نتيجة للضغوط، إلا أن عملية الإفراج عن بقية المعتقلين تبدو محفوفة بالصعاب.
بالإمكان أيضاً أن يُقال إنه لا توجد أي آلية أو خطة واضحة للإفراج عن المعتقلين. وسبب ذلك أن الاتفاقية الموقعة بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية ألقت بمسؤولية الإفراج عن السجناء على عاتق طرف ثالث (الحكومة الأفغانية) والذي لا يكون ضمن أطراف الاتفاقية الموقعة، وهذا هو ما يُشكّل صلب المشكلة. إذا استمر ملف السجناء شائكا على هذه الحال فإن المفاوضات الأفغانية الداخلية ستُؤخر مدةً أطول وستشتد نتيجة لذلك حِدة الحرب في البلد.
يُخافُ في حال عرقلة عملية الإفراج عن المعتقلين واشتداد العنف في أفغانستان أن تُلغى الاتفاقية الموقعة بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية إلغاءً كاملاً إلا أنه يُلاحظ أن كلا الطرفين يحاول تجنب الوصول إلى تلك المرحلة. عندما اتهم الملا برادر في بيانه الولايات المتحدة الأمريكية بنقض التزامها بتسريح السجناء واتهمها بتصعيد الغارات الجوية المستهدفة للمدنيين قام وفدٌ أمريكي عسكري – مدني بالاجتماع بمندوبي طالبان في قطر لأجل الإبقاء على اتفاقية السلام الموقّعة. في اللقاء المذكور تم التأكيد على تنفيذ الاتفاقية بشكل كامل، وإطلاق سراح السجناء وتقليل العنف.
الخلاف حول نتائج الانتخابات الرئاسية وعدم تشكيل وفد شامل للتفاوض
القضية الشائكة الأخرى هي المنازعة الحاصلة حيال نتائج الانتخابات الرئاسية وتشكيل لجنة تتصف بالجدارة والتمثيل الشعبي الشامل للمشاركة في مفاوضات السلام. هناك خلاف طويل وقديم حيال تشكيلة ونوعية اللجنة التي سُتكلف بالجلوس على طاولة المفاوضات مع طالبان. لا ترغب الحكومة الأفغانية أن تُجلس على طاولة المفاوضات مع طالبان وفدا يخرج عن سيطرتها. في هذا الصدد تَعتبر الحكومةُ أي خطوة مُتخذةً من سياسيي البلد خطوة غير مشروعة وتتهمها بالسعي في تضعيف موقف الحكومة. بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأفغانية، زاد الخلاف تعقيدا وإشكالا بين الحكومة والمعارضة السياسية، حيال تشكيل لجنة المفاوضات وصلاحياتها.
وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتعليق مبلغ مليار دولار من مساعداتها التي كانت قد وعدت بتقديمها إلى الحكومة الأفغانية، ويأتي هذا التعليق كوسيلة ضغط لأجل إنهاء النزاع على كرسي الرئاسة ولتشكيل حكومة شاملة. بالإضافة إلى ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يتهمان الحكومة الأفغانية بعدم الجدية في التعامل مع ملف السلام، ولذا فإنها لا تشكل لجنتها التي يُعتزم أن تشارك في مفاوضات السلام.
ونتيجة للضغوط الخارجية قامت الحكومة الأفغانية بتعيين أسماء لجنة التفاوض. مع أن الجهات الدولية رحبت بهذه الخطوة إلا أن السياسيين وبعض فئات الشعب مازالت معارضة لتعيين الشخصيات التي انتخبتها الحكومة، والسبب هو أن تلك الشخصيات عُيّنت على أساس العلائق الشخصية كما أنها تخضع لسيطرة الحكومة بالكامل. حركة طالبان أبدت معارضتها للقائمة المُعلنة كذلك وأعلنت رفضها للتفاوض مع الشخصيات المُسجلة بها، وأكدت مرة أخرى على أنها ستتفاوض مع لجنة تفاوض شاملة وموعبة.
باختصار يمكننا القول بأن الحكومة الأفغانية ترجح الوضع الحالي على إحلال السلام. موقف الحكومة النفعي المذكور تجاه قضية السلام كفيل بتضييع الفرصة السانحة وإبقاء أوار الحرب مشتعلا في البلد. في الظاهر يبدو أن الحكومة الأمريكية وحركة طالبان ترغبان في إنجاح اتفاقية السلام الموقّعة، إلا أن الحكومة الأفغانية وبعض الجهات السياسية تفتقد الإحساس بالمسؤولية حيال الاتفاقية، ولا تمانع في جعلها تُخفق حسبما يبدو.
وباء كورونا العالمي وتأثيراته على عملية السلام
عندما انتشر وباء كورونا في مدن أمريكا الكبرى فإن جهود الحكومة الأمريكية انصبت في مكافحة انتشار الوباء وتقليل أعداد المرضى. الإعلام أبدى دراساته وتوقعاته حيال السيناريوهات السياسية والاقتصادية المتوقع حصولها في العالم عقب جائحة كورونا. في أفغانستان كذلك تبدلت قائمة الأولويات بسبب انتشار وباء كورونا، وصار اهتمام الجميع منصبا على مكافحة الوباء. ونتج عن ذلك أن ملف السلام فقد مركزيته التي احتلها سابقا. بعد أن انشغل الأمريكيون والشعب الأفغاني بمكافحة وباء كورونا ومخاوفه خفّت الضغوط التي كانت تؤثر على الحكومة الأفغانية.
وبالتالي بقي النزاع قائما حيال نتائج الانتخابات الرئاسية، كما ارتخت المطالبات بالإفراج عن السجناء وتم تأجيل المفاوضات الأفغانية الداخلية حيال السلام إلى أمد غير معلوم. يبدو أن وباء كورونا لن ينتهي في مدة وجيزة، ولا يُعلم متى ستوجّه أمريكا والحكومة الأفغانية والشعب الأفغاني البوصلة تجاه الأولويات السابقة. بالنظر في هذه العوائق فإن مستقبل السلام لا يبدو ناصعا، كما أن الشعب الأفغاني على أرجح الاحتمالات سيُحرم من السلام لمدة طويلة وستبقى الحربُ مشتعلةً في البلد.
=====================================================================================
المصادر:
[1] افزایش خشونتهای طالبان؛ بیش از ۲۰ سرباز افغان و چهار غیرنظامی کشته شدند – https://www.bbc.com/persian/afghanistan-52387293
[1] طالبان: امریکا د سولې له تړونه سرغړونه کړې – https://www.pashtovoa.com/a/the-taliban-has-said-that-us-has-violated-the-agreement/5360808.html
[1] US officials discuss rocky peace agreement with Taliban in Qatar- https://english.alaraby.co.uk/english/news/2020/4/14/us-officials-discuss-rocky-peace-agreement-with-taliban
[1] – Pompeo to Afghan leaders: Make a deal with the Taliban or risk full U.S. troop pullout https://www.nbcnews.com/news/world/pompeo-afghan-leaders-make-deal-taliban-or-risk-full-u-n1174161
[1] – د افغان سولې مذاکراتي ټیم ته غبرګونونه https://www.pashtovoa.com/a/5349958.html
[1] – د سولې له اعلان شوي مذاکراتي ټیم سره د طالبانو مخالفت -https://baztab.news/article/1302772