كيف نصون أسَرنا من التأثيرات السلبية للحجر المنزلي؟
الظروف الوبائية الحالية تسببت في بقاء الأفراد في بيوتهم مع عوائلهم أيامَ الحجر المنزلي. مصطلح الحجْر يدل على كونه وضعاً غير طبيعيٍّ كما أنه يضع الناس في وضعية غير مُرتقبة. وكما أثر الوباء على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول فإنه أثر كذلك بشكل ملحوظ على العلاقات الأُسَرية داخل البيوت.
ترتبط هذه التأثيرات برؤية أعضاء الأسرة ونمط عيشهم، فمنهم من يغتنم فرصة الحجر المنزلي ويستفيد منها ومنهم من يُمثل الحجرُ له تحدياً. للسلامة من التأثيرات السلبية للحجر المنزلي يحتاج أعضاء الأسرة إلى جو هادئ ومُفعم بالحنان والقُرب وبعيدٍ عن التوتر. سيدور حديثنا هنا حول هذا الموضوع.
التأثيرات السلبية لوباء كورونا على العلاقات الأسَريّة
يعني الحجرُ المنزلي قضاء أيام أكثر من المعتاد مع أعضاء الأسرة. وهذا يعني أن الحجر بالإضافة إلى إيجابياته سيكون له بعض السلبيات ذات التأثير على الأُسَر.
في بعض المجتمعات يتسبب الحجرُ المنزلي في ارتفاع معدل الخلافات الزوجية. في إيران، أفاد مدير عام الاستشارات والصحة النفسية أن معدل الخلافات الزوجية زاد ثلاثة أضعاف في ظل جائحة كورونا. كما أن المنظمات المنافحة عن الحقوق المدنية في فرنسا تُحذر من ارتفاع معدل العنف فترةَ الحجر المنزلي. وفق تصريح وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير فقد زادت معدلات العنف الأُسَري فقط في باريس بنسبة 36%.
وقد شهدت دولة الصين بعد تخفيف إجراءات الحجر اصطفاف صفوف طويلة من الأزواج المُطالبين بالطلاق. وهذا يدل على أن قضاء أوقات أُسَرية طويلة دون تخطيط له نتائج تختلف عن نتائج الأوضاع الاعتيادية.
الأطفال كذلك صاروا يحتفظون بطاقاتهم التي كانوا يستنفدونها في الخارج لبيوتهم مما يخرج عن قدر تحمّل الأسر ويسبب خلافات أُسَرية. أفغانستان من الدول التي يكثر أعضاء الأسرة الواحدة فيها، ولهذا السبب تكثر الخلافات والمشاكل داخل الأُسَر.
الأُسر الأفغانية بالإضافة إلى ما كان لديهم من مشاكل مُسبقة فإنهم في الفترة الحالية يمرون بمشكلة توقف أعمالهم ومكاسبهم، وتوقف مكاسبهم يعني مواجهتهم لمشاكل مادية كثيرة تُثقل ظهور أولياء الأمور الذين يتكفلون بغالب نفقة بيوتهم، وذلك يُسبب لهم نوبات من الهلع والقلق.
مُعظم الأسر أخّرت مناسباتها وأفراحها التي خططت لها إلى أمد غير معلوم بسبب الوضع الحالي، وهذا يُسبب ضغطا إضافيا وقد يُفسد العلاقة بين أسرة الشاب وأسرة الشابة المقدميْن على الزواج.
زيادة العبء على الوالدات لأجل المحافظة على صحة أعضاء الأسرة تسبب في مضاعفة جهودهن. الحفاظ على صحة أعضاء الأسرة وخصوصا عندما يخرجون من المنازل بات هو الشغل الذي يشغل أذهان الأمهات، ومع تكرر التوصيات الطبية الموجّهة للمراهقين والشبان فإنهم في الغالب لا يولونها الاهتمام الكافي.
من الناحية المادية كذلك أثر الوضع الوبائي الحالي على جميع الأُسَر بشكل سلبي، إلا أن الأُسر التي لا ترى بصيص أمل في المستقبل وتمر بضغوط اقتصادية ومالية صعبة تأثرت سلبيا بصورة أكبر.
تأثيرات كورونا الإيجابية على الأُسَر
مع تقدم وسائل التواصل وبروز المنصات الاجتماعية الافتراضية قل التواصل بين الأُسَر مقارنة بالماضي. وقد تسبب ذلك في برود العلاقات العائلية، بشكل غير مقصود. لعل أول الآثار الإيجابية لوباء كورونا على الأُسَر هو تعزيز العلاقات الأُسَرية وإعادة الودّ إلى البيوت.
لقد جمع وباء كورونا الأُسر مرة أخرى وأتاح لهم الفرصة للحوار وإزالة الحواجز بين أعضاء الأسرة وإعادة زرع الحب والحنان بين الأُسَر. في كثير من المجتمعات كانت قد غلبت الفردانية على نحوٍ أخرج تحادث أعضاء الأسرة الواحدة من أولويات الأُسر، إلا أن وباء كورونا أعاد المكوث مع أفراد الأسرة إلى دائرة الأولويات.
في أوقات الحجر المنزلي، يمكث أعضاء الأُسر الساعات الطوال مع بعضهم ويمارسون الأنشطة المُشتركة مثل نظافة البيوت وأعمال البناء وتغيير الديكور الداخلي والإعانة في أمور الطبخ ونحوها من الأعمال التي تضم أفراد الأسرة الواحدة. كما أن وباء كورونا فتح المجال لبروز المواهب الكامنة، حيث إن الكثيرين من أعضاء الأُسر صاروا ينشغلون بمواهبهم التي شُغلوا عنهم في السابق بسبب أعمالهم خارج المنزل.
وفق ما يرى بعض علماء النفس فإن حضور أعضاء الأسرة ومشاركة الرجال في أعمال البيت من النتائج الإيجابية التي جلبها وباء كورونا. لقد استطاع الرجال في هذه الفترة أن يُدركوا حقيقة الأجواء المنزلية وباتوا يُدركون الصعاب التي تمر بها نساؤهم.
الأمهات اللاتي اضطررن للعمل في الخارج لأسباب عديدة منها الاحتياج المادي، وجدن فرصة للمكوث مع أولادهن لمدة كافية والتعرف على أحوالهم. كما أن الآباء وجدوا أوقاتاً كافية للمشاركة في أنشطة أبنائهم اليومية. الوالدان بالإضافة إلى قضائهم أوقاتهم مع الأبناء، يُعززان معنويات بعضهما مما يحسن العلاقات الأُسَرية ويُعزز الاعتماد على النفس في كلٍّ منهما.
إذا كان وباء كورونا قد تسبب في الكثير من المشاكل للأُسر خارج البيوت، فإنه قد مهّد لتحسين إدارة المصروفات داخل البيوت. حاليا تسعى كل أسرة لتقليل المصاريف غير الضرورية واجتناب الإسراف. بالإضافة إلى ذلك فإن الحجر المنزلي خلال شهر رمضان المبارك أوجد فرصة لاجتماع أعضاء الأُسر على العبادات الجماعية مثل صلاة الجماعة وتلاوة القرآن والدعاء والذكر، في حين أن الأُسر قبل هذه الظروف لم تتمتع بأجواء ملائمة لهذه الأنشطة.
أعضاء الأُسرة وخصوصا الأبناء يستطيعون حاليا بدلا عن قضاء كامل اليوم في شبكات التواصل الاجتماعي أن يجربوا أنشطة وفعاليات مختلفة مع بقية أفراد الأسرة، مثل الرياضة وقراءة الكتب والمجلات وسرد القصص وبيان الذكريات والخواطر، وإصلاح حديقة المنزل، وممارسة التعليم والطبخ وغير ذلك. لقد أدرك معظم الشباب والمراهقين في الأُسر أن النوم الكثير وغير المنظم وقضاء اليوم دون برنامج وتخطيط يُسببان الملل والفراغ، وباتوا يهتمون بصرف أوقاتهم في التعلم وأداء مهام البيوت.
لقد أحدث وباء كورونا تجربة غير متوقعة للأفراد والأُسر، وبحسن إدارتها نستطيع أن نستغلها على أحسن وجه.
نحو إدارة أفضل للأسر خلال أيام الحجر المنزلي
للناس خمس دوافع أصلية في حياتهم، وهي الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة، والحاجة إلى الحب، والحاجة إلى الاقتدار، والحاجة إلى الحرية، والحاجة إلى الترويح عن النفس. لقد كبح فيروس كورونا هذه المحركات، وبات الناس لا يتمتعون بسابق حريتهم وأمنهم، كما أنهم فقدوا ممارساتهم الترويحية التي كانوا يُمارسونها خارج البيوت، وأظهر هذا الوباء للناس مظاهر عجزهم. لذا علينا أن نُثير هذه المحركات داخل الأُسرة ونزيد إحساس كل واحدٍ في الأسرة بأهميته وما له من الحب. بالبقاء مع أعضاء الأسرة يتضح أن الفرد قادر على إثارة هذه المحركات في جوّ التجمّع الأُسَري.
لقد أجبر وباء كورونا الناس على الاجتماع، ولكن السؤال هو: كيف يُبدل هذا الجو الأُسريّ المشحون بالتحديات إلى فرصة طيبة تتحسن فيها العلاقات الأُسَرية؟ إن هذا الوضع جثم علينا بدون رغبة منا، ولا مفر لنا منه. في مثل هذه الظروف يتوجب على كل واحد منا أن ينشر الاطمئنان والأمان في الأُسَر؛ لا أن نزيد من الضغوط على أعضاء الأُسر. كما علينا أن نجتنب المناوشات والجدالات التي تستنزف طاقاتنا جميعا، وأن نتحلى بمزيد من الصبر والتحمل.
من التحديات المنتشرة في مجتمعنا أن الأُسر لم تمارس من قبل أنشطة مشتركة، وهذا يتسبب في شعور أحد أعضاء الأسرة بالتعب من كثرة الأعمال وإصابة شخص آخر في الأُسرة بالملل بسبب عدم عثوره على أي مشغلة. لذا يتوجب علينا في فترة الحجر المنزلي أن نُحدث فرصا للأعمال المشتركة بين أعضاء الأسرة. ويحسن خصوصا على الرجال أن يشاركوا بقدر كافٍ في أعمال البيت، نظرا لكونهم من قبل قاموا بأدوار ضئيلة في أعمال البيوت.
يجب أن يشيع تعامل منطقي بين أعضاء الأسرة. إن تكدّر الخاطر وإلقاء اللوم على الآخرين لا يقْصر عن حل المشاكل وحسب وإنما يخلق مصدرا جديدا من مصادر القلق والاكتئاب. مُعظم الأطفال يُزعجوننا بشغبهم وطاقاتهم الفتيّة، لذا علينا أن نجد لها أعمالا تناسبهم حتى نتلقف تربيتهم من يد التلفاز والأزقّة والسوق والرعاع ونستلمها بأيدينا. إن هذه الفترة هي الفرصة التي يجب أن نكتسب فيها المهارات الكافية للسير في طريق الحياة.
أفضل طريقة هي أن تعكف الأُسر على التعليم الافتراضي “عبر النت”، وقراءة الكتب وتعلم الأنشطة الجديدة التي تحتاج إليها في حياتها وتُعينها على التغلب على ما يُساورها من شكوك ومزلات علمية. من هذه المهارات الضرورية الاستعدادُ لقبول المشاكل المستقبلية، لأن العالم عقب كورونا سيكون له لونٌ آخر.
الأُسر الناجحة تستمتع دوما بقضاء أوقاتها بصورة مشتركة، وتُقوى معنويات بعضها حين الصعاب. لكل واحد من أعضاء الأسرة عاداته وخواصه التي يختص بها، ويقدر رب الأسرة من خلال حسن إدارته لشؤون المنزل أن يجعل أزمة وباء كورونا فرصة يستغلها كل واحد من أعضاء الأسرة.