الجهاد الكوروني في الهند؟! حقيقة أم مؤامرة؟!
عبدالصبور مبارز
قامت مجموعة من الهندوسيين المتعصبين بالانهيال ضربا على محبوب علی أحدُ قاطني شمال شرق دهلي الجديدة عاصمة الهند، إلى درجة أن أدموا وجهه بالكامل، وكان قد انتهى حديثا من اجتماع لجماعة التبليغ. يرى الهندوسيون في تلك المنطقة أن الشخص المذكور شارك في الاجتماع لأجل بدء “الجهاد الكوروني” وتم تجنيده لهذه المنطقة حتى يجاهدَ فيها عن طريق نشر فيروس كورونا ويقتل جميع الهندوس. تم اقتياد علي بعدها إلى معبد مندر الهندوسي وطُلب منه أن يعتنق الديانة الهندوسية حتى يُسمح له بالذهاب إلى المستشفى.
حصل ذلك وغيره بعدما سُجلت أربعة آلاف حالة إصابة بفيروس كورونا بين التبليغيين بعد عقدهم أحد تجمعاتهم في مدينة نيودلهي. يدعي الهندوسيون أن بين التبليغيين جماعة من الباكستانيين ويرغبون في نشر فيروس كورونا بين الهنود كنوع من الجهاد (حيث يُسمون ما يزعمونه نشرا للفيروس بالجهاد الكوروني).
الإعلام في خدمة التطرف
بعد هذا الحدث أخذ جمع من المتطرفين الطائفيين في إثارة الكراهية تجاه المسلمين في جميع أنحاء الهند، وتم نشر أكاذيب وافتراءات ضد المسلمين في القنوات التلفازية ووسائل التواصل الاجتماعية. كتبَ أحدهم على صفحته أن عائلة مسلمة تقطن في منطقته، وقد أُصيب كافة أفراد البيت بفيروس كورونا، مما أثار البيوت المجاورة على أهل ذلك البيت. في جنوب الهند ادعت جماعة دينية أخرى أن هناك 18 شخصا منتمين لجماعة التبليغ قد أُصيبوا بفيروس كورونا، وطالبوا باعتقالهم، مما حدا بالشرطة إلى التعامل مع أولائك المسلمين بقسوة، وتبين أن تلك الجماعة من التبليغيين لم تكن قد خضعت لأي فحصٍ مسبقا.
تُلقي السلطات الهندية والجماعات الدينية الطائفية في الهند باللائمة على المسلمين في ما يتعلق بانتشار الفيروس. حتى إن الشرطة في ولاية أترابرديش أعلنت عن جائزة قدرها عشرة آلاف روبية هندية لكل من يدل على التبليغيين الذين حضروا في تجمع جماعة التبليغ.
اتهم قادة الحزب الهندي البارز BJP جماعة التبليغ وقالوا إن تجمع التبليغيين يدل على تعمدهم نشر الفيروس بين الهندوس ووسموا هذا بالإرهاب الكوروني كما سموا أفراد جماعة التبليغ بالقنابل البشرية.
وقد نشر الصحفي الهندي مشهور – ديبك تشورسيا – تغريدة على صفحته في تويتر التي يتابعها أكثر من مئة ألف مستخدم قال فيها: “قُتل أحد الشباب في منطقة برياكراج في ولاية أترابرديش من قِبل جماعة التبليغ لأجل توجيهه انتقاداً للجماعة”، وقد صرحت شرطة المنطقة بعد نشر التغريدة أن هذا الكلام غير صحيح وبينت أن الشاب قُتل على إثر خصومة شخصية.
دعايات الإعلام المضللة وتأثيراتها على حياة المسلمين
انتشار مثل هذه الأخبار تسببت في إيقاف استمرار أعمال المسلمين في البيع والشراء في المدن والقرى، كما امتنع الأطباء من علاج المرضى المسلمين. أعلن مستشفى مدينة ميرت للسرطان امتناعهم من رعاية المرضى المسلمين، واستثنوا إجراء فحص فيروس كورونا.
وقد نشرت صحيفة الجاردين في موقعها مقطعا يُظهر رئيس أحد مجالس الشورى في إحدى قرى الهند، حيث يتوعد المذكور كل من يتواصل بأحد المسلمين أو يتحدث معه بغرامة تتراوح بين 500 إلى 1000 روبية هندية.
في كافة مدن الهند امتنع المسلمون من الخروج من منازلهم لما اعتراهم من الخوف. كما أنهم قاطعوا وسائل التواصل الاجتماعي لوسمة العار التي لحقت بهم. وفي فترة الحجر المنزلي لم تصل المعونات المرتبطة بالعوائل المسلمة، حيث إنها انتُهبت أو مُنع من إيصالها بأمر من قادة الشرطة. وبسبب ما عم من وباء كورونا ومن ثم ازدياد البلاء على المسلمين بتوقف الشراء من محلاتهم وقطع وصول المعونات إلى بيوتهم فقد زادت معاناة مسلمي الهند بسبب الفقر وباتت موائدهم خاوية وبطونهم جائعة، ولم يجدوا أي وسيلة سوى رفع أيدي الضراعة إلى الله عز وجل حتى يُنجيهم من المجاعة، كما أن بعضهم لم يجد مناصا من الانتحار.
لماذا انتحر دلشاد محمود؟
دلشاد محمود أحد قاطني منطقة (أنا) بولاية هماتشل برديش، وقد اتُّهم من قِبل سكان المنطقة بأنه أحد أفراد جماعة التبليغ ولذا تلقى منهم الكثير من السباب والتحقير والامتهان، وبلغ الأذى به حداً أوصله إلى الانتحار.
قالت والدة دلشاد لوكالة بي بي سي الإخبارية: لقد احتُقر ولدي كثيرا، حتى إنهم امتنعوا من شراء الحليب منه، وعندما ضاق الأمر به انتحر.
وقالت زوجة دلشاد لوكالة صحفية بريطانية: لقد توقف التردد على بيتنا بسبب ما اتُّهم به زوجي، وقد ذهب زوجي بعدها إلى المشفى لإجراء فحص كورونا وكانت النتيجة سلبية، ومع ذلك استمر أذى الناس لزوجي مما حدا به إلى الانتحار.
اجتماع التبليغيين، تهمة ومؤامرة
التوترات الطائفية الدينية لها تاريخ طويل في الهند، منذ الهجوم على مسجد (بابري) إلى أحداث يونيو وأكتوبر في عام 1948م، وحدث مدينة كجرات عام 2002م وغيرها من الوقائع المصطبغة بالعنف الطائفي. عند التأمل في سوابق هذه التوترات سنجد أن الهندوس في أكثرها اختلقوا تهما ووجهوها للمسلمين وصبغوها صبغة دينية. وحاليا وجدوا تهمة نشر كورونا ليلصقوها بالتبليغيين حتى ينشروا الكراهية تجاه المسلمين في الهند.
في حوار له مع صحيفة الجاردين، قال رئيس مفوضية حقوق الأقليات في مدينة دلهي د. ظفر الإسلام خان: ” لماذا يُلام المسلمون فقط ويُتهمون بالتجمع ونشر فيروس كورونا في حين أن لدينا العشرات من الحالات والأمثلة الأخرى لتجمعات كبيرة قامت بها السلطات الحكومية والأحزاب السياسية وشتى الفرق الدينية؟ لماذا لا يُتهم هؤلاء أيضا بلعب دور في نشر فيروس كورنا؟ لماذا يُتهم المسلمون وحدهم؟ إن هذا يوضح أن القضية هي قضية حرب طائفية أقيمت ضد المسلمين”.
مما سبق نخلص إلى أن اتهام التبليغيين والمسلمين بنشر فيروس كورونا ليس إلا اتهاما رخيصا أُحادي الجانب وقد تم توجيهه إلى المسلمين ضمن مؤامرة تهدف إلى انتشار الكراهية تجاههم وتشويه سمعتهم، ونحن نأمل أن تقوم الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والمنظمات الدولية الأخرى أن يضعوا حدا لهذا التطرف الطائفي وأن يرفعوا أصواتهم للمطالبة بمنح مسلمي الهند حقوقهم، وأن يُطالبوا الحكومة الهندية بوضع حد للعنصرية الدينية ضد المسلمين في أسرع وقت ممكن، مع رد حقوق المسلمين إليهم.
===========================================================================
المصادر
- https://www.theguardian.com/world/2020/apr/13/coronavirus-conspiracy-theories-targeting-muslims-spread-in-india
- https://www.aljazeera.com/indepth/opinion/coronavirus-outbreak-india-blamed-muslims-200418143252362.html
- https://www.bbc.com/urdu/pakistan-52384101
- https://www.bbc.com/urdu/regional-52204098
- https://www.bbc.com/urdu/regional-52110141