السلام الأفغاني والآمال المستجدة

حسب اتفاقية السلام الموقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان فإن من المفترض أن تبدأ مفاوضات السلام الأفغانية الداخلية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ توقيع الاتفاقية. إلا أنه تم اشتراط الإفراج عن سراح خمسة آلاف من سجناء طالبان المُعتقلين لدى الحكومة الأفغانية، وقد تنكرت الحكومة الأفغانية لهذا المطلب في بداية الأمر وعدّته تدخلا في شؤونها. إلا أن الحكومة الأفغانية بعد تردد المسؤولين الأمريكيين بين قطر وكابل خطت خطواتٍ ملحوظة في سبيل الوصول إلى السلام وأظهرت حسن نواياها تجاه قضية السلام بالإفراج عن عدد من معتقلي طالبان. من جانبٍ آخر أعلن تنظيم طالبان وقف إطلاق النار لثلاثة أيام خلال عطلة عيد الفطر المبارك، وهو أمر لقي استقبالا من الحكومة الأفغانية وصاحب ذلك الإفراج عن مزيد من معتقلي طالبان المحتجزين لدى معتقلات الحكومة.

وبهذا الشكل مُهّد الطريق لإحداث جو من الثقة المتبادلة وباتت المناقشات حول السلام الأفغاني مطروحة على طاولة الحوار في الساحة الأفغانية مرة أخرى. يا تُرى إلى أي حدٍّ سينتعش ملف السلام؟ وما هي العوائق التي تعترض طريق السلام والتي تتطلب مزيد انتباه من الحكومة الأفغانية وتنظيم طالبان؟ أسئلةٌ نسعى للإجابة عنها في هذا المقال.

مستجدات عملية السلام

أظهر كلا الطرفين (الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان) التزاما بالاتفاقية الموقعة في تاريخ 29/فبراير/2020م، إلا أن الاتفاقية وضعت شرطاً أساسيا لبدء المفاوضات الداخلية الأفغانية وهو الإفراج عن سراح معتقلي طالبان من معتقلات الحكومة الأفغانية، وهو السبب الذي لأجله تعرقلت مفاوضات السلام الداخلية الأفغانية. حتى هذه اللحظة تم الإفراج عن سراح ثلاثة آلاف سجين من المنتمين لطالبان، وفي لقاء له عبر الإنترنت مع المجلس الأطلسي صرح أشرف غني بقرب الإفراج عن سراح الألفَي سجين المتبقين من طالبان. وقد رحب بهذه التصريحات كل من تنظيم طالبان والولايات المتحدة الأمريكية وصرح التنظيم باستعداده لبدء مفاوضات السلام الداخلية عقب الإفراج عن معتقليهم بأسبوع. تقليل العنف بين الطرفين والمرونة التي يشهد لها ما ذُكر أعلاه يفيد أن الشعب الأفغاني قد اقترب من السلام أكثر من أي وقتٍ مضى.

دور باكستان في إحلال السلام

أكثر المندوب الأمريكي الخاص لملف السلام الأفغاني زلمي خليلزاد من ترداده السفر على باكستان بعد توقيعه لاتفاقية السلام مع طالبان في الدوحة. لأجل مهام تتعلق بالسلام قام زلمي خليلزاد بالسفر قبل أيام إلى قطر وباكستان ثم أفغانستان، كما أبرز شكره لباكستان على دعمها لملف السلام الأفغاني.[1]

بعد سفر خليلزاد، قام رئيس القوات العسكرية الباكستانية قمر جاويد باجوه بزيارة إلى كابل والتقى بالرئيس الأفغاني غني ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة د. عبدالله عبدالله.[2] زيارة باكستان من قِبل زلمي خليلزاد وسفر الجنرال باجوه إلى كابل في هذه المرحلة المهمة من عملية السلام الأفغاني تدل على أهمية الدور الباكستاني وضرورة دعم الحكومة الباكستانية لملف السلام الأفغاني. بالإضافة إلى ما ذُكر فإن ما يُعد ضروريا للجانب الباكستاني – وهو ما شكل محور سفر باجوه إلى أفغانستان – هو تجنب استغلال أرض أفغانستان ضد باكستان. إلا أنه من جانب آخر يُلاحظ قلق الحكومة الباكستانية حيال هذا الموضوع وذلك لأن زلمي خليلزاد في زيارته التي قام بها إلى نيودلهي قبل مدة حاول إقناع الحكومة الهندية على المفاوضات المباشرة مع طالبان.[3] لعل أهمية مشاركة الهند في عملية السلام الأفغاني نابعة من ضرورة عدم وقوع الهند مانعا في طريق مفاوضات السلام الجارية والاتفاقية الموقعة، والسبب الآخر الذي يدفع أمريكا لإعمال الدور الهندي هو سعي الحكومة الأمريكية لتحسين العلاقة بين الدول المتحالفة معها في المنطقة مع الهند لأجل تقليل نفوذ الصين وروسيا، وهذا الأمر يشكل قلقا لكل من الحكومة الباكستانية والحكومة الصينية، وكلا هاتين الدولتين تقلقان من استغلال الهند لأرض أفغانستان ضد مصالح باكستان ومشاريع الصين الاقتصادية في أفغانستان. إلا أن المسؤولين الأفغان خلال فترة سفر رئيس القوات العسكرية الباكستانية إلى كابل صرحوا بأن أرض أفغانستان لن تُستغل ضد مصالح أي طرف، ولعل سفر الجنرال باجوه إلى كابل إنما تم في الدرجة الأولى للحصول على مثل هذه التصريحات من السلطات الأفغانية ولأجل عطف انتباه الحكومة الأفغانية إلى هذا الأمر.

محاولات إفشال مفاوضات السلام

لا شك من وجود جهات لديها مصالح في حال استمرار الحرب في أفغانستان، وتسعى جاهدة على المستوى المحلي والدولي لإفساد عملية السلام الأفغاني. في السنوات الماضية لوحظ أنه كل ما ثار الحديث حول السلام الأفغاني أُجريت عمليات عسكرية واغتيل او اعتُقل فيها شخصيات بارزة من الطرفين، في محاولة لإخماد الجهود المبذولة لإحلال السلام.

والآن في الوقت الذي استُحدث فيه جو من الثقة المتبادلة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وتم الترحيب على الصعيدين المحلي والدولي بمفاوضات السلام، شهدنا تفجيرا في تاريخ 2/يونيو في منطقة وزير أكبر خان في العاصمة الأفغانية استهدف إمام المسجد أياز نيازي وهو عالم وخطيب مشهور وأودى بحياته..[4] لم تكتف حركة طالبان بالتنديد بالهجوم فحسب وإنما اعتبرته جريمة نكراء. وفي الوقت الذي أخبرت فيه الحكومة الأفغانية عن تشكيل لجنة للبحث في المتورطين في الهجوم المذكور حصل تفجير آخر في تاريخ 12/يونيو/2020م أودى بحياة عزيز الله مفلح إمام مسجد شير شاه سوري في العاصمة كابل، وفي اليوم ذاته استُشهد خطيب آخر في مديرية جاه آب بولاية تخار ويُسمى بالشيخ عين الله.

للعلماء مكانة سامية في دولة مثل أفغانستان، كما يتم إجلال مكانتهم في القضايا الوطنية والدينية، ولا شك أن اغتيال هؤلاء العلماء بشكل متوالي من صنيع الجهات التي تهدف إلى تعكير جو الثقة في البلد وخلق عوائق تعترض طريق السلام في أفغانستان.

إن استنكار كل من الحكومة الأفغانية وطالبان لمقتل هؤلاء العلماء يدل على أن هناك جهات لديها مصالح تتعارض مع تنفيذ السلام بافغانستان وتقلق من بدء المفاوضات الداخلية الأفغانية حيال إحلال السلام.

عملیة السلام و قضیة المُعتقلين

في لقاء له مع المجلس الأطلسي صرح أشرف غني بأنه سيُفرج عن سراح بقية معتقلي طالبان قريبا والبالغ عددهم ألفا شخص.[5] إثر هذا التصريح الصادر من الرئيس الأفغاني رحبت حركة طالبان بهذا الإعلان وأصدرت الضوء الأخضر لبدء مفاوضات السلام الداخلية. إن الإفراج عن سراح سجناء طالبان البالغ عددهم خمسة آلاف سجين من معتقلات الحكومة من جملة الشروط الأساسية لبدء مفاوضات السلام الداخلية وهو له أكبر تأثير في تحسين جو العلاقة والثقة والمتبادلة بين الطرفين، وقد ناشد التنظيم الحكومةَ الأفغانية بإكمال عملية الإفراج عن بقية معتقلي التنظيم. وفق اتفاقية السلام فإن المفاوضات الداخلية ستبدأ بعد الإفراج عن المعتقلين من كلا الطرفين بأسبوع. إلا أن الموضوع الذي له أهميته بجانب المفاوضات الداخلية هو دوام الحكومة الحالية، وهو ما تخالف فيه حركة طالبان وقد قدمت بشأنه أطروحةَ الحكومة الانتقالية. إلا أن الرئيس غني في حواره مع المجلس الأطلسي رفض أي تحرك باتجاه الحكومة المؤقتة وصرح بأنه لن يعيد تجربة الدكتور نجيب الله ( الرئيس الأفغاني السابق) التي أخفقت كما أنه لن ينزع يده من السلطة. مثل هذه التصريحات تدل على أنه لا تزال هناك مسافة وبُعدٌ بين الطرفين.

النتائج

في الوقت الراهن حيث تُعد فرص نجاح السلام الأفغاني أكثر من أي وقت مضى، يتوجب على الحكومة الأفغانية وحركة طالبان أن تستغلا الفرصة السانحة وأن تخلقا جو الثقة المتبادلة بينهما وأن تستكملا ما تبقى من أشواط عملية السلام. على كلا الطرفين أن يُفرجا عن سراح من تبقى من المعتقلين ليتم تمهيد السبل لبدء مفاوضات السلام ولتعجز الجهات الداخلية والأجنبية التي تسعى جاهدة لإفشال عملية السلام في تنفيذ مخططاتها. بالنظر إلى مخاوف دول المنطقة ينبغي أن تطمئن كافة الأطراف الراغبة في إحلال السلام الأفغاني بأن أرض أفغانستان لن تُستغل ضد مصالح أي طرف كما ينبغي الحصول على موقف المجمتع الدولي الداعم لهذا الأمر. ينبغي كذلك منع وإيقاف محاولات إفشال عملية السلام المتمثلة في اغتيال العلماء والسياسيين والشخصيات ذات المكانة الوطنية، وفضح المتورطين فيها. ويظهر أن بعض التيارات والجهات تهدف من خلال هذه الاغتيالات إلى عرقلة وإيقاف عملية السلام الأفغاني.

[1] https://www.aljazeera.com/news/2020/06/pakistan-hold-talks-restarting-intra-afghan-peace-talks-200608065815806.html

[2] https://www.geo.tv/latest/292243-gen-bajwa-discusses-afghan-peace-process-with-president-ghani-in-kabul

[3] https://tribune.com.pk/story/2219345/1-us-wants-india-shun-role-afghan-peace-spoiler/

[4] https://tolonews.com/afghanistan/explosion-wazir-akbar-khan-mosque-kills-one

[5] https://www.usip.org/publications/2020/06/afghan-president-ghani-freeing-prisoners-can-speed-peace-talks

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *