التأثيرات السلبية لتعطيل المدارس على نظام التعليم في البلد

من أبرز آثار وباء كورونا التأثير على أنظمة التعليم في جميع دول العالم. وفق تقرير منظمة الأمم المتحدة، فقد تسبب الوباء المذكور في فرض الحجر الصحي على ثُلث سكان العالم، كما أن عدد 166 دولة أغلقت مدارسها وجامعاتها للحد من انتشار هذا الوباء. الوضع المذكور تسبب في الإخلال بعملية تربية وتعليم مليار ونصف مليار من الأطفال والمراهقين. تسبب انتشار هذا الفيروس في إغلاق 18000 مدرسة في أفغانستان قبل بدء السنة التعليمية الجديدة (1399هـ ش) مما تسبب في إيقاف تعليم أكثر من تسعة ملايين من طلبة المدارس وإيقاف عمل 203201 مدرس ومُدرسة وإغلاق أبواب 169 جامعة حكومية وأهلية يدرس بها 388191 طالب وطالبة[1].

الحالة الراهنة التي عمت جميع دول العالم بما فيها أفغانستان وتسببت في إغلاق المدارس استدعت خطوتين أساسيتين وهما استخدام القنوات التلفازية للتعليم واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي للأغراض التعليمية. هذه الخطوات نقلت أنظمة التعليم بشكل مفاجئ من الدراسة الحضورية إلى العالم الافتراضي، وهو عالم لا تملك المؤسسات الحكومية والأسر خبرة كافية في التعامل معه. في الوضع الحالي مازالت البنية التحتية في أفغانستان قاصرة عن إيصال خدمة الكهرباء وبقية الخدمات التقنية إلى جميع فئات الشعب، وبالتالي يعجز الكثيرون عن استخدام شبكة الإنترنت والاستفادة من مزاياها. الكثير من دول العالم تُواجه هذه الأزمة. على سبيل المثال فإن نسبة 16% من التلاميذ في ولاية كليفورنيا الأمريكية ليس لهم اتصال بشبكة الإنترنت، كما أن نسبة 27% لديهم شبكة باتصال ضعيف، ونسبة 10% لديها اتصال بالشبكة العنكبوتية عبر الهواتف الذكية فقط. ولا شك في أن المشكلة المذكورة موجودة بصورة مضاعفة في أفغانستان مقارنة بكاليفورنيا. الفقر والحالة المادية المتدنية تعوق دون استفادة الطلاب من الوسائل التقنية للتعليم بصورة مؤثرة. الكثير من الأسر لا تملك تلفازا كما لا تتوفر لديها خدمة الكهرباء، مما يعني أن استخدام العالم الافتراضي يُعد أمرا غير ممكن لمعظم الطلبة في دولة مثل أفغانستان[2].

الآثار السلبية لإيقاف المدارس تظهر في المجالات التالية:

توقف عملية التعلم:

المدارس هي المسؤولة في الغالب عن عملية تعليم وانتقال المهارات إلى الأطفال و الطلاب لتحسين كفاءاتهم. إيقاف المدارس له تأثير سلبي بارز على الطلاب الذين لديهم صعوبات في تلقي المعلومات والذين هم بحاجة إلى المداومة في التعلم والمراقبة من قِبل المعلم، حيث يتأخر هؤلاء عن قطار التعليم. بالإضافة إلى ما ذُكر فإن بلدنا يواجه مشاكل كبيرة تتعلق بالأمية. غالبية الأسر لا معرفة لديها بأنظمة التعليم أو لا تهتم بها، وتعتمد اعتمادا كليا على المدرسة والمعلم والكتاب. وفي غياب المدرسة والمعلم لا يعرفون كيف يساعدون أبناءهم. هذا الأمر يسبب صعوبات للتلاميذ مع استئناف الدراسة في المدارس.

انشغال الطلاب في الأعمال الأخرى:

عندما تتعطل المراكز التعليمية لمدة طويلة ويُمنع من التجمعات فإن ذلك يسبب مشاكل اقتصادية للأسر كما أنه يوقف مكاسب الحرفيين والعمال، ويجعلهم في حالة ضيق وعوز. الوضع الراهن دفع بالكثير من الأسر إلى تشغيل أبنائهم في أنواع من التكسب مثل البيع في الشوارع. هذا في حين أن المدارس الأهلية أيضا لا تدفع الرواتب لمدرسيها وعامليها مما يتسبب في توتر وقلق المدرسين والطلاب، وبعد استئناف الدراسة ستتطلب عودة الأمور إلى مجاريها مدة من الزمن. خصوصا وأن الوضع في البلدان مثل أفغانستان لا يضمن عودة جميع الطلاب إلى المدارس بعد وقفة طويلة كهذه.

زعزعة الترابط الاجتماعي:

المدارس ميدان للتعامل الاجتماعي؛ وبتعطیلها یضعُف الترابط الاجتماعي بين آلاف الطلاب مع أصدقائهم ويُصابون بحالة من العُزلة الاجتماعية. وهذا يسبب لاختلالات وصعوبات يواجهها التلاميذ بعد استئناف الدراسة مرة أخرى. خريجو الثانوية يواجهون أكبر الصعوبات حيال ذلك لكونهم لم يجربوا الجو التعليمي الجامعي في حياتهم، ولم يدرسوا في هذه الفترة في فصول الإعداد لاختبار القبول الجامعي.

اضطراب فی برامج تربية الأطفال

في الحين الذي يرى فيه الخبراء أن أقصى مدة مسموحة للأطفال والمراهقين لاستخدام الوسائل التقنية مثل التلفاز والإنترنت هي ساعتين، فإن الحجر الصحي والبقاء في المنزل يُسبب اختلال أنشطة التلاميذ في بيوتهم، حيث يعجزون حتى عن الخروج من المنزل والتنزه في أماكن الترويح، ويقضون أوقاتهم في الألعاب الإلكترونية والجوال والحواسيب والتلفاز، مما له تأثيرات قصيرة المدى وطويلة المدى على سلوكيات الناشئة. مع أن القنوات التلفازية وصفحات التواصل الاجتماعي تنشط في إثراء المحتوى التعليمي لطلاب المدارس إلا أن هذه البرامج لا تتم متابعتها من قِبل جميع الناشئين، ومن يتابعها من الناشئين لا يتابعها بصورة منظمة ومتتابعة تضمن الاستفادة الكاملة. بالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من الطلاب لا يملكون وسيلة للتعلم سوى الحضور في فصول الدراسة والاعتماد على المعلم. في حال الاعتماد على الدروس الملقاة عن بُعد (عبر الإنترنت) فإن ذلك يستلزم مساعدة من الوالدين لأبنائهم، وللأسف فإن هذه الثقافة مفقودة في المجتمع الأفغاني.

قد يعتقد الآن بعد المدرسين الموقرين بأنهم لا يقدرون على تهيئة الظروف المناسبة للمتعلمين، ولكن الأفضل لهم هو اغتنام الفرص السانحة والإمكانيات المتوفرة وأداء مسؤولياتهم قدر الإمكان.

عودة الأمور إلى مجاريها الطبيعية لا يحدث بصورة مباشرة، والتعطل الحاصل في التعليم أزمة كبيرة لها تبعات نفسية واجتماعية واقتصادية قد تبقى آثارها لشهور وسنوات. تأثيرات وباء كورونا لها أكبر الأثر على الفئات المتضررة في المجتمع، مقارنة بالفئات الأخرى. لذا ينبغي تذكير المعلمين بأن الطلبة الذين سيجلسون أمامهم في الفصول الدراسية بعد استئناف الدراسة ليسوا هم نفس الطلبة الذين درسوهم قبل العطلة. بعض هؤلاء الطلبة فقدوا أقاربهم وأعزاءهم، كما أن البعض الآخر يواجهون صعوبات اقتصادية بسبب فقدان عائلهم للعمل والتكسب، وقد يكون بعضهم قد تعرض للعنف الأسري. حتى إن كان البعض منهم لم يواجه شيئا من ذلك، فإن المرور بفترة خوف واضطراب وانتشار للأخبار السيئة يُلقي بظلاله السوداء على أذهان الناشئة ويستدعي فترة طويلة للعودة إلى الاستقرار النفسي والروحي.

تفيد الدراسات أن عودة أمور الطلاب إلى مجاريها الطبيعية بعد مجزرة رواندا عام 1994م تطلبت 16 سنة[3].

التعليم عن بعد يتطلب توفر شبكة الإنترنت بجودة عالية كما يتطلب توفر الأجهزة اللازمة من حواسيب وهواتف ذكية، لذا فإن توفير البرامج والأنشطة التعليمية عبر القنوات التلفازية والإذاعية للأسر الفقيرة التي لا تتوفر لديها الأجهزة الإلكترونية والشبكة العنكبوتية يُعد وسيلة ناجعة وتجبر شيئا من النقص في الوسائل التعليمية لهذه الأسر[4].

إلا أن أفضل بديل هو دعم أفراد الأسرة لأبنائهم وبناتهم الناشئين، بحيث يساعدونهم بشكل يومي، ولو كان ذلك في المواد الأساسية التي تستدعي المساعدة مثل: اللغة والرياضيات والتاريخ والجغرافية في الصفوف الابتدائية؛ كما يُضاف إلى ذلك الفيزياء والكيمياء والأحياء في الصفوف العليا، وذلك لأن ما قل ودام، خير مما كثر وانقطع.

[1] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/persian/amp/blog-viewpoints-525

[2] https://www.ufkieft.org/2020/coronavirus.and-education-in-afghanistan-responses

[3] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/amp/world-47846110

[4] www.google.com/amp/s/www.isna.ir/amp/9901311184476

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *