بدء المفاوضات الأفغانية ومستقبل السلام
كان من المعتزم وفق اتفاقية السلام الموقعة بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية أن تبدأ المفاوضات الأفغانية الداخلية في تاريخ 10/مارس من العام الميلادي الجاري. إلا أن موعد المفاوضات المذكورة أُجل وتأخر عن وقته بسبب عدم إطلاق سراح السجناء من الجانبين وقد عُد إطلاق سراح السجناء الشرط الأساسي لبدء المفاوضات الأفغانية الداخلية.
في الثاني من سبتمبر/2020 م أعلنت الحكومة الأفغانية أنها أطلقت سراح بقية المعتقلين المنتمين إلى حرکة طالبان، ماعدا سبعة أفراد رُصدت عليهم ملاحظات من قبل حكومتي فرنسا وأستراليا حيث اتُّهما بالتورط في قتل الجنود من هذين البلدين، وقد يتم إرسال المُعتقليْن إلى قطر. في هذا التحليل الصادر من مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية سنسلط الضوء على بدء المفاوضات الأفغانية الداخلية في الدوحة، وما سيتم مناقشته في هذه المفاوضات.
المعتقلون والقوات الامريکية
وفق اتفاقية الدوحة الموقعة في تاريخ 29/فبراير/2019م كان من المفترض أن تبدأ المفاوضات الأفغانية الداخلية في وقتها المحدد.[1] كما أن حسم قضية السجناء من الطرفين يُعد تطورا إيجابيا في ملف السلام حيث كانت هذه القضية هي العائق الأكبر الذي كان يعترض طريق السلام الأفغاني، وقد رحبت بهذه الخطوة دول المنطقة وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.[2]. عقب الإفراج عن السجناء قال المبعوث الأمريكي الخاص لملف السلام الأفغاني زلمي خليلزاد إن الأفغان قد اقتربوا من السلام في هذه الفرصة الذهبية أكثر من أي وقت مضى وعليهم أن يغتنموها.
إن تصريحات رئيس مجلس المصالحة التي أبداها باسم الحكومة الأفغانية عقب الإفراج عن سراح السجناء والإسراع في بدء المفاوضات الأفغانية يدل على أن الأفغان أمام فرصة حقيقية تقربهم من السلام أكثر من أي وقت مضى وعليهم أن يغتنموا هذه الفرصة حتى تُمهد الطرق لإحلال السلام الدائم في البلد.
وفق اتفاقية الدوحة التزمت الولايات المتحدة الأمريكية أن تخرج جميع قواتها من مراكزها العسكرية الخمس في أفغانستان خلال مدة 14 شهر من الاتفاقية. مع أنه قد تم سحب عدد من القوات الأمريكية بعد توقيع الاتفاقية فقد صرح وزير الدفاع الأمريكي في الثالث من سبتمبر اعتزام الولايات المتحدة أن تخرج في القريب العاجل عدد 3 آلاف جندي من أفغانستان. إذا استمر سحب القوات الأمريكية على هذا المنوال وتم إخراج جميع القوات الأمريكية من أفغانستان في المدة المحددة فسُيعد ذلك إنجازا كبيرا في ميدان إنهاء الصراع من أفغانستان. مع أن الرئيس الأمريكي أشعل الضوء الأخضر لإخراج القوات الأمريكية من أفغانستان وقال بأنه سيقلل عدد الجنود الأمريكيين قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية من 5 آلاف إلى 4500 جندي.[3] إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية لها رأي مختلف حيال ذلك وترى تصريح ترامب سابقا لأوانه.[4]
وقف إطلاق النار
وفق الاتفاقية الموقعة تعهدت طالبان بأن تفاوض الحكومة الأفغانية حول وقف إطلاق النار خلال مفاوضات السلام. ومع أن جميع السجناء تم إطلاق سراحهم من الطرفين إلا أن الحرب مازالت مستعرة في البلد ويتكبد أفراد الجانبين خسائر كبيرة في الأرواح بسبب استمرار الحرب.
بعد الإفراج عن آخر مجموعة من السجناء بيوم واحد، سقط عدد من الضحايا من كلا الجانبين وعدد من المدنيين في ولايات ننجرهار وبغلان وسربل ومناطق أخرى. إن اتباع آلية منظمة لوقف إطلاق النار كفيل بإخماد خطط الجماعات التي تهدف إلى إفشال عملية السلام. إذا لم يتم تنفيذ وقف إطلاق النار فمن المحتمل أن يتم وضع عوائق في طريق السلام من قِبل الجهات الداخلية والأجنبية التي يُهدد قدومُ السلام مصالحها وأطماعها. على سبيل المثال، قد يصعّدون من الهجمات في المدن أو يستهدفون الشخصيات السياسية البارزة حتى يفسد جو الثقة بين الحكومة وطالبان. ولذا يلزم المصير إلى قرار وقف إطلاق النار كشرط أساسي لإعادة جو الثقة ويتم من خلال ذلك منع أي عائق يعترض طريق السلام
اللجان المُشاركة بمفاوضات السلام
لأجل المشاركة في مفاوضات السلام الأفغانية الداخلية شكلت الحكومة لجنة مكونة من عشرين عضوا، متضمنة للعلماء ومندوبي الأحزاب السياسية والشباب والنساء وأعضاء المجتمع المدني. كما قد يكون ضمن أعضاء لجنة التفاوض أشخاص تعوزهم الخبرة الكافية حيال السلام والقضايا الوطنية الكبرى.
إلا أن الحكومة الأفغانية تؤمل في أن تقوم اللجنة المذكورة بإحراز إنجازات جيدة في ملف السلام وفق مراد الشعب، وذلك لأن من يرأس اللجنة هو السيد معصوم ستانكزي الذي شغل مناصب حكومية عليا خلال السنوات الماضية كما أنه ضليع بالخبرة الكافية. مع أنه لوحظ اهتمام من الحكومة بمنح دور للأحزاب السياسية في لجنة التفاوض، إلا أن عددا من الأحزاب السياسية ومنها الحزب الإسلامي أعلنت أنها ستفاوض مندوبي طالبان وجها لوجه. وهذا لن يضع علامات استفهام على لجنة التفاوض ودورها فحسب وإنما سيعكس تشتتا داخليا في الآراء حيال السلام. ولكي يتوحد الرأي داخل البلد حيال السلام لا بد على الحكومة أن تباشر عملها في ملف السلام مع إشراك كافة الشخصيات السياسية البارزة ومندوبي العرقيات والشخصيات الأكاديمية، وأن تستقطب دعم هذه الشخصيات.
أعضاء اللجنة الحكومية الأفغانية للمشاركة في المفاوضات والتي يرأسها معصوم ستانكزي هم: ذكية وردك، شهلاء فريد، محمد ناطقي، نادر نادري، عبدالمتين بيك، باتور دوستم، خالد نور، شريفة زرمتي، رسول طالب، أيوب أنصاري، كليم الله نقيبي، أمين أحمدي، عبدالهادي أرغنديوال، حبيبة سرابي، عناية الله بليغ، حفيظ منصور، زينب موحد، ضرار أحمد مُقبل، وغَيرت بهير.
من جانب آخر فإن لجنة طالبان المشاركة في المفاوضات تضم الكثير ممن شغلوا مناصب رفعية في حكومة طالبان. يُرى ضمن لجنة طالبان للتفاوض وجود 13 شخصا من أعضاء مجلس طالبان الاستشاري، وهذا يدل على مدى تأثير لجنة طالبان المشكّلة للتفاوض.
يرأس اللجنة المذكورة شير محمد عباس، كما أن أعضاء اللجنة هم: الشيخ عبدالحكيم، والشيخ عبد الكبير، والشيخ نور محمد ثاقب، والشيخ محمد زاهد أحمد زي، والشيخ شيرين آخوند، والشيخ عبداللطيف منصور، والقارئ دين محمد، والشيخ عبدالسلام حنفي، والشيخ عبدالمنان عمري، والشيخ محمد قاسم تركمن، والشيخ محمد فاضل مظلوم، والشيخ نور الله نوري، والشيخ عبدالحق وثيق، والشيخ مطيع الحق خالص، ومحمد سهيل شاهين، والشيخ محمد نبي عمري، وأنس حقاني، وخير الله خيرخوا، والشيخ شهاب الدين دلاور، والشيخ فريد.
أولويات للمفاوضات الأفغانية الداخلية
من الموضوعات التي ستتناولها المفاوضات الأفغانية الداخلية للسلام بالمناقشة فی الغالب هي: الحكومة المؤقتة، ونوع الحكومة، ومجلس النواب وهيكلته، ومجلس الشيوخ وهيكلته، ومجالس المحافظات والمديريات، وانتخابات رؤساء البلدية، وتحسين قطاعات الصحة العامة، وقطاع المعارف والتعليم العالي، ونسبة مشاركة النساء في الوظائف الحكومية، وحرية التعبير، وتسجيل الرُّتب العلمية لعلماء الدين، والتحكم في مصادر المياه والكهرباء والغاز والتجارة، وغيرها من المواضيع، وقد تتطلب مناقشة المواضيع المذكورة مدة طويلة.
لذا فإن على الطرفين المُفاوضين أن يُسرعا بمناقشة المواضيع التي تُقرب الشعب من السلام بشكل مؤثر مثل قضية المخدرات، والأمن الشامل، والمشاركة الشعبية في نظام الحكم، والفساد الإداري، والنزاهة ومحاسبة المسؤولين.
وذلك لأن هذه المواضيع هي التي تهدد أمن أفغانستان واستقرارها الاجتماعي وتقدمها الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك فإن المجتمع الدولي يُناشد المسؤولين الأفغان باتخاذ الخطوات اللازمة. إلا أن وقف إطلاق النار قبل كل ذلك كفيل بإزالة جميع ما يعترض طريق تحسين القطاعات آنفة الذكر. وإذا لم يتم وقف إطلاق النار قد تضيع فرصة السلام السانحة وتُفلت من أيدي الأفغان.
كما أنه من الضروري أن تقوم الدول المجاورة لأفغانستان بأداء واجب الجوار وأن تقف إلى جانب الشعب الأفغاني في هذه الفرصة التاريخية، وذلك لأن السلام الدائم في أفغانستان لن يمد بساط التقدم والرخاء في أفغانستان وحسب وإنما سيؤدي إلى تحريك عجلة التقدم الاقتصادي والرخاء في كل دول المنطقة.
[1] https://www.state.gov/wp-content/uploads/2020/02/Agreement-For-Bringing-Peace-to-Afghanistan- 02.29.20.pdf
[2] https://www.bbc.com/pashto/afghanistan-53718524
[3] https://www.defenseone.com/policy/2020/08/trump-us-withdraw-4k-troops-afghanistan-election/167456/
[4]https://www.militarytimes.com/news/your-military/2020/08/06/pentagon-not-confirming-any-plans-to-halve-us-troops-in-afghanistan-by-the-election/