سفر رئيس الوزراء الباكستاني إلى كابول؛ الأهداف والنتائج

بدعوة رسمية من الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني قدم وصل باكستاني رفيع المستوى بتاريخ 19/نوفمبر/2020م إلى كابل برئاسة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان كما ضم الوفد وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي والمندوب الباكستاني الخاص أفغانستان صادق خان ورئيس الاستخبارات الباكستاني فيض حامد واستمرت الزيارة لمدة يوم واحد. كيف ستؤثر زيارة عمران خان على مسار السلام الأفغاني والعلاقات الثنائية بين أفغانستان وباكستان في حين أن معدل العنف قد ارتفع في البلد ولم تُسفر حتى الآن مفاوضات السلام في الدوحة عن أن أي تطور رسمي؟ سنحاول الإجابة عن ذلك في هذا التحليل النصف شهري والصادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية.

أهداف سفر عمران خان إلى كابول

في الآونة الأخيرة ارتفعت معدلات العنف والتفجيرات في البلد ووقعت أحداث تفجير بالألغام وغيرها في الطرق والأماكن العامة وسقط جرّائها عشرات القتلى من المواطنين الأفغان، ومن جانبٍ آخر فإن المناقشات حول وضع آلية للتفاوض في محادثات الدوحة ما زالت مستمرة. وفي مثل هذه الأوضاع الحرجة قدِم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى كابل لمدة يوم بدعوة رسمية من الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني. وقبل زيارة عمران خان قدم مستشاره في شؤون التجارة والاستثمار عبد الرزاق داود إلى كابل بتاريخ 16/نوفمبر/2020م واستمرت زيارته لثلاثة أيام، حيث جرت محادثات بينه وبين المسؤولين الأفغان حيال التبادل التجاري بين البلدين وإنشاء مفوضية خاصة بالشؤون الاقتصادية.

بالنظر إلى أجندات سفر عمران خان والتي تدور حول السلام الأفغاني وتطوير العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية نعلم أن هذه الزيارة كانت ضرورية للجانب الباكستاني وذلك لأن الحكومة الباكستانية تواجه تحديات اقتصادية صعبة وتسعى لتوسعة تصديراتها إلى أفغانستان. بالإضافة إلى ذلك فإن باكستان تخشى من زيادة نفوذ دولة الهند في أفغانستان، وفي هذا السياق ذكر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في لقاء له مع مجلة شبيغل الألمانية أنه أكد خلال لقائه بالسيد حكمتيار ورئيس مجلس المصالحة الوطنية د. عبد الله الله بأن مصلحة باكستان الوحيدة في أفغانستان تكمن في عدم السماح للهند بأن تستغل أرض أفغانستان للقيام بعمليات تضاد باكستان.

الجانب الباكستاني سعى كذلك ليأخذ وعودا من السلطات الأفغانية حيال هذا الأمر، وقدرت فعلا على أخذ التزام الحكومة الأفغانية من خلال توقعيها معها اتفاقية “التفاهم المشترك حيال السلام والاستقرار في أفغانستان وباكستان ودول المنطقة”.[1] وتقرر الاتفاقية أن على أفغانستان أن ترعى المصالح المشتركة بينها وبين باكستان في علاقاتها بالدول الأخرى وأن لا تتوجه أية مخاطر من علاقات أفغانستان بالدول الأخرى تجاه العلاقة الثنائية بين أفغانستان وباكستان. وعلى الصعيد المقابل عقب سفر عمران خان بدأ إنشاء منشآت باكستانية على الحدود بين البلدين في مدينة طورخم مما واجه تصديا من قبل القوات الحدودية الأفغانية، ونتج عن ذلك قرار أحادي الجانب من باكستان – وقد سبقته قرارات مثيلة في حالات مشابهة – بإغلاق المعبر الحدودي في وجه العامة وناقلي البضائع من التجار وغيرهم. وهذا الأمر كفيل بتعكير العلاقات بين البلدين كما في السابق. يُضاف إلى ذلك أن هذا القرار يُلحق أضرارا بالغة بالتجار من البلدين.

السلام الأفغاني محوراً رئيسا فی المحادثات

الحكومة الأفغانية منشغلة بوضع آلية للتفاوض مع تنظيم طالبان في محادثات الدوحة، ومن جانبٍ آخر تواجه قلقا متزايدا حول ارتفاع معدل العنف والقتل الناشئين من عدم تنفيذ وقف إطلاق النار في البلد، إلى درجة أن هناك تفجيرات حصلت في الآونة الأخيرة ولم تتبناها حركة طالبان وإنما تبناها تنظيم داعش، وهذا النوع من التفجيرات كفيل بإلحاق أضرارا فادحة بفرصة السلام التاريخية في الفترة الحرجة التي تمر بها البلد. قد أكدت الحكومة الأفغانية منذ بدء المفاوضات على ضرورة تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل كامل إلا أن حركة طالبان لم تُظهر استعدادها لذلك؛ وقد لعب كل من الطرفين دوره في استمرار العنف مما نتج عنه سقوط ضحايا من المدنيين الأفغان دون غيرهم من الأجانب؛ كما أن عشرات الأشخاص من الطرفين يقعون ضحايا العنف يوميا. ارتفاع معدل العنف منح الحكومة الأفغانية فرصة لتلفت أنظار دول العالم نحو إعمال الضغط على حركة طالبان لتتقبل مقترح وقف إطلاق النار. وفي هذا الصدد كان الرئيس غني قد أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وأبدى فيها قلقه من ارتفاع معدل العنف بغية أن تستغل الحكومة نفوذها على حركة طالبان وتُوجهها نحو الاستعداد لتقليل العنف.

وقد طلب عمران خان في زيارته الأخيرة إلى كابل من السلطات الأفغانية أن تحدد الإشكاليات المتعلقة بالسلام الأفغاني والتي هي بحاجة إلى مساعدة من الحكومة الباكستانية، كما أكد عمران خان بأن حكومته مستعدة أكثر من أي وقت مضى لتقديم الدعم بغرض إنجاح عملية السلام الأفغاني. مع أن هذا النوع من التصريحات كفيل بتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين إلا أن تنظيم طالبان قد يغض الطرف عن كل ما ذُكر ولا يُذعن لمشروع وقف إطلاق النار، ذلك أن الحكومة الباكستانية إبان استقبالها للرئيس محمد أشرف غني عام 2014م قدمت وعوداً كثيرة حيال السلام الأفغاني إلا أن تنظيم طالبان عقب الزيارة المُشار إليها زاد من هجماته على الحكومة الأفغانية ولم يشهد مسار السلام خلال السنوات التي تلت الزيارة أي تقدم ملحوظ.

من جانبٍ آخر يُلاحظ أن معدلات العنف آخذة في الارتفاع بعد تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان المتضمة وعودا بتقديم الدعم لإنجاح السلام الأفغاني. حيث إن عددا من الصواريخ قد أُطلقت في مختلف أرجاء مدينة كابل عقب سفره بيومين واستُشهد جراءها عشرات المواطنين وكلهم من المدنيين العُزّل. كما أن محافظة باميان قد شهدت تفجيرا في تاريخ 24/نوفمبر/2020م تسبب في استشهاد 17 فردا من المدنيين.

نتائج السفر الاحتمالية

بغض النظر عن السلام الأفغاني فإن الاتفاقية الموقعة أخيرا بين البلدين إبان زيارة عمران خان لأفغانستان قد مهدت الأجواء لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في المستقبل. في الاتفاقية المشار إليها ذُكر أن كلا البلدين سيُتيح تردد مواطني البلد الآخر إلى أرضه لأجل استمرار العلاقات بين البلدين، ومن هنا دعا رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني لزيارة باكستان والتي ستتم في الربع الأول من العام المقبل، ويُعد ذلك تقدما ملحوظا في تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.

كما أن الوثيقة تتضمن العمل على التنسيق بين استخبارات البلدين ومشاركة البيانات بينهما حيال أعداء السلام والجهات التي تعمل على إنشال عملية السلام الأفغاني. كما تضمنت الاتفاقية تسهيل رجوع المواطنين الأفغان من باکستان بدءا من غرة العام الميلادي المقبل، وعقد جلسات كذلك حيال تطوير خطوط الاتصال الإقليمية. وقد صرح المبعوث الأمريكي الخاص للسلام الأفغاني زلمي خليلزاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستخصص في المستقبل القريب صندوقا لباكستان وأفغانستان وأوزبكستان ترغيبا للاستثمار في جنوب ووسط آسيا.[2] ويبدو هذا الأمر غير ممكنٍ حاليا بالنظر إلى انعدام السلام في البلد، إلا أنه من جانبٍ آخر كفيل بتهيئة الأرضية للسلام الأفغاني مما سيكون ذا تأثير على حركة التنمية على المستوى الإقليمي. إن تعزيز العلاقات بين باكستان وأفغانستان ليس داعما للسلام الأفغاني فحسب وإنما يُساعد كذلك على تنمية الحالة الاقتصادية في البلدين وفي المنطقة بشكل عام؛ كما أن باكستان بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى اتخاذ خطوات مُساعدة في هذا الصدد حتى تقلل من حدة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها.

[1] https://www.dawn.com/news/1591240/pakistan-will-do-everything-possible-to-reduce-violence-in-afghanistan-says-pm-imran-on-maiden-kabul-visit

[2] https://www.dawn.com/news/1591523/us-to-launch-regional-funds-for-pakistan-afghanistan-and-uzbekistan

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *