القتل الممنهج بافغانستان؛ الدوافع والآثار
إن العنف والتدهور الأمني لا يشكلان ظاهرة جديدة في أفغانستان. لقد قاسى هذا البلد نيران الحرب والعنف لأربعة عقود وعاش جيل كامل وسط هذه المعاناة وخاض آلامها حتى النخاع. إلا أن ما يحدث حاليا من العنف يُشكل ظاهرة مختلفة حيث يتم استهداف أشخاص بعينهم. هناك تيارات وعصابات إرهابية ركزت أهدافها على اغتيال أشخاص معينين من علماء الدين والمراسلين والناشطين المدنيين والشخصيات الاجتماعية وغيرهم ممن لا يملكون حرسا وتدابير حماية خاصة و لاشک ان عبر استهدافهم يُبث الرعب وسط قرنائهم و عامة الناس.
يبدو أن الغايات الأساسية لهذه الاغتيالات هي بث الرعب في العامة وزيادة التدهور الأمني وإفساد مسار السلام. القائمون على هذه الاغتيالات لا يتم اكتشافهم والتعريف بهم حتی الان وفي حال بروز طرف خيط يُنبئ عن المتورطين في هذه الأعمال فإن التحريات لا تتم بشفافية كما يتم إخفاء نتائج تلك التحريات عن أقرباء الضحايا وعن الشعب. لا شك أن الهجمات التي شُنت أخيرا في قلب العاصمة الأفغانية تُشكل تحديا كبيرا أمام الاستقرار الأمني لسكان العاصمة بل وتشكل تحديا أكبر أمام نجاح مسار السلام فی البلد.
الثروات الإنسانية التي سقطت جراء الاغتيالات الممنهجة:
وحيد مُجده كان أحد الخبراء السياسيين والنشطاء الإعلاميين المبرزين الذين اتخذوا موقفا منتقدا للحكومة ومخالفا لتواجد القوات الأمريكية في أفغانستان كما أنه كان دائم السعي في استقرار السلام في البلد. تم اغتيال وحيد مجده من قبل مسلحَيْن مجهوليْن بقرب بيته في كابل بتاريخ 20/نوفمبر/2019م.[1]
تتسو ناكامورا المشهور في أفغانستان بالعم مُراد، طبيب ياباني عاش 73 عاما ووقف الجزء الأكبر من حياته لتحسين معيشة الشعب الأفغاني عن طريق تمنية الزراعة فی البلد. في تاريخ 6/ديسمبر/2019م حين كان ناكامورا مع خمسة من أعوانه الأفغان يُراقبون أحد المشاريع في جلال آباد شرفی افغانستان شُنت هجمة مسلحة وأُصيب ناكامورا بجروح بالغة توفي على إثرها.[2]
الشيخ الدكتور محمد أياز نيازي، أستاذ جامعي وخطيب جامع وزير محمد أكبر خان بكابل. كان الدكتور نيازي يُندد بهجمات داعش وينتقد حضور القوات العسكرية الأجنبية في أفغانستان ويندد بغاراتها على المدنيين، كما أنه كان يدعو لإرساء دعائم السلام بين الأفغان ويعزو جميع مآسي الشعب إلى الاختلافات الداخلية. في تاريخ 2/يونيو/2020م تم تفجير لغم في مسجده واستشهد على إثره. صرح عدد من المسؤولين بالحكومة الأفغانية أن مقتله خسارة لا تُجبر، كما أن تنظيم طالبان ندد بالاغتيال في بيان له ولکن الجهة المسؤلة عن الاغتيال لم يعرف بعد.[3]
الشيخ عزيز الله مفلح، إمام وخطيب وعضو مجلس علماء أفغانستان؛ اغتيل هو وثلاثة من المصلين إثر انفجار داخل جامع شير شاه سوري الواقع غرب كابل في تاريخ 12/يونيو/202م. وفق تقرير وزارة الحج والأوقاف فإن الشيخ مفلح بالإضافة إلى دراساته في العلوم الشرعية كان يميل الی التصوف كما كان داعية للاعتدال والسلام في البلد مما زاد في محبة متابعيه ومأموميه له.[4]
الدكتور عبد الباقي أمين، رئيس المجلس الاستشاري العلمي بوزارة المعارف الأفغانية ومن الشخصيات الداعمة للمفاوضات مع طالبان؛ تم اغتياله يوم الأربعاء الموافق 19/أغسطس/2020م بتفجير لغم مغناطيسي تم تركيبه في سيارته بمنطقة كمبني بالناحية السادس في مدينة كابل. كان الدكتور عبدالباقي مدرسا في جامعة سلام الاهلی فی کابول و قبلها جامعات عالمية الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد وكبرى جامعات ليبيا والسودان وكان من الداعمين بشدة لمسار السلام الأفغاني.[5]
يما سياوش، ورفيع صديقي، وإلياس داعي، والسيدة ملاله ميوند، ورحمة الله نيكزاد، ويوسف رشيد، والسيدة فرشته كوهستاني من جملة الناشطين المدنيين والإعلاميين الذين تم اغتيالهم في الأشهر الأخيرة. بالإضافة إلى المذكورين تم استهداف أصحاب المناصب العسكرية في الجيش والشرطة، والمدّعين بالنيابة العامة والقضاة بالمحاكم والمسؤولين المتقاعدين والحاليين.
زيادة التدهور الأمني ووقوع التفجيرات المتتابعة والاغتيالات والهجمات المُمنهجة في كابل والمحافظات أدت إلى شعور المواطنين بالقلق أكثر من أي وقت مضى. في تاريخ 26/ديسمبر/2020م حصلت أربعة تفجيرات في نواحي كابل لوحدها، وكل ما مضى يدل على إخفاق الإدارات الأمنية والاستخباراتية في مهامها. في الاغتيالات الممنهجة التي طالت علماء الدين والشخصيات الاجتماعية لوحظ أن الهجمات تستهدف في الغالب من يؤيدون إيقاف الحرب وإحلال السلام في البلد، ولديهم دور بارز في هذا المجال. وقد صرح المبعوث الأمريكي الخاص للسلام الأفغاني زلمای خليلزاد حيال الهجمات الممنهجة الأخيرة أن هذه الوقائع إنما هي من تدبير أشخاص يهدفون إلى إفساد عملية السلام أو تأخيرها وإخراجها عن مسارها.[6]
دوافع الاغتيالات المُمنهجة وآثارها:
إن الجهات المجهولة تغتال كل يوم شخصية معروفة بالرصاص أو الألغام المغناطيسية؛ بأقل تكلفة وأكبر موجة من ردود الأفعال والتصريحات الاجتماعية. كما أن عامة الشعب لا يسلمون من أضرار هذه الهجمات في أرواحهم وأموالهم. يبدو أن الجماعات المجهولة تهدف عبر إخلال الأمن إلى إحداث حالة من الفوضى كما يسعون إلى وأد الآمال التي ترتقب السلام ومن ثم فشل مسار السلام برمته.
إن اغتيال النخب الاجتماعية والكوادر العلمية وناشطي المؤسسات الاجتماعية والسياسيين فضلا عن خلق المصائب والهموم للشعب الأفغاني ظلم عظيم في حق هذا الشعب الايي. لدى خبراء المجتمع مقولة نافعة وهي: لكل شيء إذا فات عوض، إلا الإنسان المُسالم الذي يُساعد بني جنسه.
نفقد كل يوم نُخبنا السياسية وكوادرنا العلمية والعسكرية ونشطاءنا الاجتماعيين تحت عناوين مختلفة، والحكومة في حالة فشل تام ترقب الأوضاع ولا تُنجز أي شيء يُذكر. أما المواطنون فقد سئموا من الأوضاع بالكلية وهم الضحية الأكبر في هذه المآسي ومع كل يوم يزداد يأسهم وتضعف ثقتهم في الحكومة. في مثل هذه الأوضاع فإن الحكومة وفق أحكام الدين والدستور الأفغاني مسؤولة عن حفظ أرواح وأموال كل المواطنين وخصوصا العلماء والثروات المعنوية بالبلد؛ كما أن الحكومة مكلفة بتجنب التساهل في هذه القضايا وأن تتخذ خطوات جازمة لاكتشاف مرتكبي الاغتيالات المقصودة وكافة الجرائم الممنهجة.
إن أكبر أماني الشعب هو تحقق السلام العادل والدائم في أسرع وقت مع استقرار الأمن والرخاء في البلد. على الحكومة الأفغانية أن تمهد السبل للسلام الشامل في أقرب وقت حتى لا يسقط المزيد من شباب البلد طُعما للحرب وحتى لا يُباد العلماء والنخب السياسية والإعلامية والاجتماعية وعامة المواطنين.
[1] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/persion/50492280/amp
[2] https://www.google.com/amp/s/www.bbc.com/persion/afganistan-50705628.amp
[3]https://www.aa.com.tr/fa/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%DB%8C/%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86/1862841
[4] https://parstoday.com/dari/news/afghanistan-i110543