الحملة الوطنية لتسريع مفاوضات السلام.. نظرة في الوضع الأمني والجمود في محادثات السلام
خلال الشهر الأخير شهدنا حملة إعلامية واسعة عكست مطالب الشعب الموجهة إلى أطراف النزاع والمُناشدة بالإيقاف الفوري لإراقة الدماء والداعية لتسريع مفاوضات السلام الأفغانية. أطلق هذه الحملة في تاريخ 13/يونيو عدد من الناشطين المدنيين ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي ودوَّن عشرات الآلاف من الأفغان في الداخل والخارج في هذا الموضوع تحت وسوم #StopAfghanWar و #SpeedupPeaceTalks.
بالإضافة إلى الناشطين المدنيين ورواد شبكات التواصل، نشر عدد من العلماء والشخصيات الشعبية منشورات ومقاطع مرئية ينشادون فيها بضرورة تسريع مفاوضات السلام وشاركوا في نشر الحملة على أوسع نطاق. هذه الحملة مبثقة أصالةً من الشعب نفسه وتعكس رؤية كافة المواطنين الأفغان الداعية لتسريع محادثات السلام.
في هذه المقالة المختصرة، سنتطرق باختصار إلى الوضع الأمني في البلد، والطريق المسدودة التي وصلت إليها مفاوضات السلام، وما ينشده المشاركون في الحملة الوطنية لتسريع محادثات السلام.
نظرة في الوضع الأمني في البلد
بدأت الحملة الوطنية المناشدة بتسريع مفاوضات السلام نتيجة اشتداد الحرب وإراقة الدماء في البلد وتوقف مفاوضات السلام. إن الشعب الأفغاني كان يتوقع أن يقل العنف مع الإعلان عن خروج القوات الأجنبية وأن تتحرك عجلة مفاوضات السلام بشكل أسرع، إلا أن عكس ذلك هو ما حدث، حيث ازداد التدهور الأمني بعد الإعلان عن الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية، حتى إن القلق تزايد من إمكانية اندلاع الحرب الأهلية التي تجرع الأفغان ثمارها السيئة من قبل.
من جانبٍ خرجت أكثر من 100 مديرية من إدارة الحكومة ودخلت تحت سيطرة طالبان خلال الشهرين الماضيين أو تم تداول السلطة فيها بين الجانبين، ومن جانبٍ آخر بدأت عملية تسليح المليشيات بدعم من الحكومة تحت مسمى التنسيق الشعبي مقابل طالبان مما يعده الكثير من المواطنين الأفغان مصدر خطر مستقبلي يتهدد الأمن بالبلد. يا تُرى كيف يتم تنسيق الشعب ضد طالبان؟ كيف يتم تمويلهم وإعدادهم؟ من يُدربهم؟ وما هو الفرق خلال الأسابيع المقبلة بين وجودهم وعدم وجودهم؟ هذه الأسئلة مع أسئلة أخرى تثير قلق الشعب. لذا انتقد بعض أعضاء البرلمان هذه العملية بشدة وعدّوا تسليح المليشيات خطرا يُهدد استقرار البلد في المستقبل.
مع اشتداد الحرب ازداد كثيرا عدد الضحايا من كلا طرفي الحرب ومن المدنيين. وفق التقرير الشهري الصادر من مجلة نيويورك تايمز حيال خسائر الحرب بأفغانستان، قد قُتل خلال شهر مايو أكثر من 400 جندي من القوات الأفغانية ونحو 260 شخص من المدنيين كما جرح المئات. وعلى الصعيد المقابل، رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة تفيد عدد ضحايا طالبان إلا أن القوات الأمنية الأفغانية تنشر دعاوي مبالغ فيها حول عدد ضحايا طالبان حيث تُفيد تصريحاتهم مقتلَ مئات الأفراد منهم بشكل يومي؛ وكل ذلك يدل على ازدياد عدد الضحايا من الجانبين ومن المدنيين. وقد تخلل هذه الأحداث عددٌ من التفجيرات الدامية والاغتيالات المستهدفة ولكن لم تقم أي جماعة بتبنيها.
وهكذا ازدادت ضراوة الحرب ودمويتها أكثر من أي وقت مضى كما أن القلق من المستقبل قد زاد على الصعيدين المحلي والدولي. وقد صرح مؤخرا القائد العام للقوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان (سكات ميلر) بأن الأوضاع الراهنة في أفغانستان مقلقة للغاية، كما أكد على ضرورة المصير إلى الحلول السلمية.
الجمود في محادثات السلام
إن أهم ما يُقلق الشعب الأفغاني في هذه الفترة هو توقف مفاوضات السلام؛ بخلاف ما كان يُتوقع بعد الإعلان عن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، ويبدو أن كلا الجانبين يفكران في حيازة السلطة بشكل أحادي باستعمال العنف والمغالبة. لذا حذرت وكالة المخابرات الأمريكية والقادة العسكريون وأعضاء الكونغرس الأمريكي بأن الدولة الأفغانية دون الدعم الأمريكي العسكري لن تقدر على التصدي لهجمات طالبان كما أخبرت عن احتمالية سيطرة طالبان على أفغانستان خلال ستة أشهر.
إن مفاوضات السلام الأفغانية التي بدأت قبل نحو 10 أشهر في الدوحة عاصمة قطر لم تُسفر عن أي نتائج إيجابية ملموسة وقد كان كلا الطرفين يترقب التغيرات التي تطرأ على القضية الأفغانية وخصوصا الموقف الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية حيال أفغانستان. في الأيام الأخيرة سعى قادة الحكومة الأفغانية في سفرهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية أن يستقطبوا الدعم الأمريكي العسكري لمواجهة طالبان. صرح رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية د. عبد الله أن ” الدفاع عن الشعب” هو الأهم حاليا لا السلام. كما أضاف أن طالبان بعرقلتها لعملية المفاوضات تسعى لكسب مزيد من الوقت. وفي الصعيد المقابل يُظن أن الآلة الحربية التي يقودها طالبان أيضا تسعى للتركيز على الخيارات العسكرية، ولكن في الوقت ذاته تتهم حركة طالبان الحكومةَ بسوء استغلال مفاوضات السلام وأن فريق الحكومة للمفاوضات ليس مستعدا لبدء المفاوضات.
بشكل عام، وبالنظر في التجارب السابقة، لن يقدر أي طرف على الانتصار عبر الطرق العسكرية، وإذا أحكم أحد الطرفين قبضته مستخدما قوته العسكرية فإن ذلك لن يكون في يوم من الأيام سبيلا موصلا للاستقرار والأمن في البلد وإنما سيُخلف دمارا شاملا. لذا كان الأمر المُتوقع من طرفي الحرب بعد الإعلان عن انسحاب القوات الأجنبية هو أن يُركزا على مفاوضات السلام بدلا عن تصعيد العنف في ميادين الحرب، ولكن يبدو حاليا أن كلا الفريقين يفتقدان الإرادة الحازمة للطرق السلمية وما زال الطرفان يتبادلان لغة العنف وأدبياتها مع بعضهما.
مطالبات الحملة الوطنية المناشدة بتسريع مفاوضات السلام
طالب ناشطو المجتمع المدني ورواد شبكات التواصل الاجتماعي في هذه الحملة كلا طرفي النزاع بالإيقاف الفوري للحرب الجارية والتركيز على مفاوضات السلام. كما أكدوا في بعض شعاراتهم أن “السلام لا يُوصل إليه عبر الحرب” وأن “قتلى الحرب الحالية هم الأفغان فقط”. كما تمت المطالبة في هذه الشعارات من الجانبين أن “يوقفا الحرب فورا لإيقاف سفك الدماء” وأن “تُستأنف مفاوضات السلام بصورة صادقة وحازمة مرة أخرى” وأن “تُجتنب لغة العنف وأدبياتها لأجل خلق جو من الثقة المتبادلة” وضرورة أن “يتم اجتناب أي نشاط بدوافع منبثقة من التعصب للعِرق أو اللغة”.
كما عبّر بعض الناشطين المدنيين عن تأثيرات الحرب المدمرة في كتاباتهم. منهم على سبيل المثال الدكتور وحيد الله مصلح حيث نشر صورة ومنشورَ من يُدعى أميد حبيبي، أحد مستخدمي شبكات التواصل ممن شارك في حملة مكافحة الاحتراب فقال: “هذا أميد حبيبي، بالأمس كان حيا وكان يكافح ليحافظ على حياته، واليوم قد استُشهد، إن الحرب تستأصلنا بهذا الشكل”. وكان أميد حبيبي قد كتب في صفحته على الفيسبوك قبل مقتله بيوم: لقد مضى كل عمري وعمر إخواني في الحرب. لا نريد أن نخسر أحبابنا من بعد. لا منتصر ولا خاسر في هذه الحرب. أرجوكم أوقفوا الحرب”. وبهذا الشكل عكست الحملة الإعلامية المذكورة مدى البؤس الذي طال الشعب الأفغاني بسبب الحرب الجارية.
طالب أكثر المشاركين في الحملة قادة البلد أن يشعروا بالمسؤولية تجاه فرصة السلام التي سنحت، وإذا لم يفعلوا ذلك وسقط نظام الحكم فستدخل البلد في حروب أهلية داخلية ولن تخلف إلا الدمار والضرر بكافة الأطراف وستخرج الأمور عن السيطرة.
بالإضافة إلى ذلك أعرب الناشطون المدنيون ومستخدمو شبكات التواصل عن انزجارهم تجاه حركة اغتيال العلماء وناشطي السلام. ورد في أحد شعارات الحملة: “أوقفوا الحرب، لا نريد أن نخسر المزيد من علمائنا. خلال العام الماضي قُتل 1200 عالم دين في كافة أنحاء البلد. من يتحمل مسؤولية هذا الأمر؟” وفي هذا الصدد نشرت الحملة صورا لبعض الشخصيات مثل الدكتور محمد أياز نيازي والدكتور محمد عاطف والدكتور عبد الباقي أمين والشيخ عزيز الله مفلح وكافة العلماء الذين اغتيلوا خلال العام الماضي بصورة تدعو للريبة، ولم يُفصح حتى الآن عن الضالعين والمتورطين في قضايا اغتيالهم.
إن هذه الحملة الإعلامية نوع من المقاومة السلمية أو ما يُسمى بـ (Non-Violent Resistance) وقد كان لمثل هذه الحملات نتائج هامة في التاريخ المعاصر في سبيل الوصول إلى العدالة السياسية والاجتماعية ومن أبرز نماذج ذلك كفاح مهاتما غاندي في شبه القارة الهندية حيث ساعد كفاحه دولة الهند لتحصل على استقلالها عام 1947م من بريطانيا. الأفغان كذلك لا يملكون أي سبيل آخر سوى المعارضة السلمية، وذلك لأن الحرب الجارية تحصد أرواح الأفغان ولا يظهر أي مؤشر يدل على إمكانية الوصول إلى الاستقرار عبر الطرق العسكرية والحربية.
النتيجة
إن حملة المناشدة بتسريع مفاوضات السلام قد نشطت في وقت ساءت فيه الأوضاع الأمنية أكثر من أي وقت مضى بعد الإعلان عن خروج القوات الأجنبية، كما ظهرت مخاطر جديدة تهدد أمن البلد واستقراره في المستقبل. توقف مفاوضات السلام واشتداد أوار الحرب في نفس الوقت قد زادا من القلق حيال تصعيد الحرب والدمار في البلد، ويبدو أن كلا طرفي النزاع يسعيان لاحتكار السلطة وحيازتها عبر العنف والحرب، حيث سقطت أكثر من 100 مديرية في كل أفغانستان بيد طالبان خلال الشهرين الماضيين، ومن جانب آخر تتشكل حاليا مليشيات مسلحة شعبية في شتى أنحاء البلد بدعم من الحكومة؛ الأمر الذي يُعد خطرا حقيقيا يتهدد أمن البلد واستقراره في المستقبل ويستثير في النفوس الذكريات الأليمة التي خلّفتها الحروب الأهلية السابقة.
بالنظر في مطالبات الشعب ورؤاهم وخصوصا من شاركوا في الحملة الإعلامية الراهنة، يتضح أن مراد المواطنين من طرفي النزاع والحرب هو أن يقللا العنف وأن يُسرّعا مفاوضات السلام. مع انسحاب القوات الأجنبية بشكل كامل من أفغانستان زال السبب الرئيس الدافع للحرب وما تبقى من المشاكل لا يمكن حله باستخدام العنف، وإنما يحتاج إلى مفاوضة وإبداء شيء من التنازلات في المواقف. وإذا لم يتم ذلك فإن هناك مخاوف من بروز حروب أهلية مدمرة تهدد أمن البلد واستقراره على المدى الطويل.
النهاية