عام على الحكومة الأفغانية.. الاقتصاد والفساد والسياسة الخارجية
لا تنحصر مشاكل الحكومة الأفغانية الائتلافية في ازدياد الموانع على طريق السلام، وتوسع الحرب والخلافات الداخلية، والتي سلبت الآمال من الشعب، بل وبشكل عام سجّلت هذه الحكومة نكسة في كل شيء. بناء على بعض الإحصاءات[1]، غالبية الشعب ليست راضية عن أداء الحكومة طيلة هذا العام.
واجهت “حكومة الوحدة الوطنية”، مشاكل عدة في كثير من الأمور، ويُقَدّر بأن تواجهها في المستقبل أيضا. ويبدو أن العام القادم سيكون مصيريا في بقاء الحكومة، ويبدو ذلك صعبا جدا.
الوضع الاقتصادي
فور تشكيل الحكومة الحالية ارتفع مستوى البطالة في البلد[2]، وتراجعت العملة الأفغانية بشكل غير مسبوق طيلة 14 سنة الماضية[3]. وأثر الوضع الأمني على بعض مشاريع استثمارية وتجارية فعلّقها.
مع أن الحكومة استطاعت بأن ترفع دخلها 10%، لكن هذا الارتفاع إنما اكتفى لـ28%، من الميزانية الاعتيادية، ولـ54% من الميزانية التنموية، وكانت البقية على المساعدات الدولية[4].
إلى جانب ذلك، وضعت الحكومة أخيرا 10% ضريبة على رصيد خطوط الاتصالات مما سيزيد دخل الحكومة، وكان متقرح المانحين الدولين من قبل على الحكومة بأن تزيد من دخلها. وقد أدركت الحكومة الأفغانية أن كثيرا من المانحين الدولين توجهوا نحو سوريا، والعراق، وأوكرانيا، واللاجئين في أوروبّا ويدفعون مساعداتهم لهم.
قبل بضعة أشهر زادت الحكومة من ضريبة الدكاكين، إلا أن أصحاب الدكاكين قاموا بالمظاهرة، وأغلقوا دكاكينهم. وبعد هذه التجربة أقدمت الحكومة على وضع ضريبة على رصيد شبكات التواصل من دون أن تثير الشعب في رفع دخلها.
تظهر أرقام الربع الأول من العام الهجري الشمسي 1394، أن تصدير أفغانستان ارتفع 61%، وانخفض الاستيراد. ويرجع عامله الأبرز إلى ارتفاع سعر “شيرين بويه”، في الأسواق العالمية، وازدياد محاصيلها في البلد، وهو ما رفعت مستوى تصدير أفغانستان عام 1394 في الربع الأول. أما انخفاض الاستيراد هذا العام فيرجع عامله إلى اختفاء الفلوس أو انخفاض الطلب. ولكن إذا قلت البطالة في البلد، وتزداد موارد الدخل، فإن الاستيراد أيضا سيرتفع. وهذا الإنجاز التجاري لم تكن من فعل الحكومة، بل كانت نتيجة للوضع العام في الأسواق الأفغانية والدولية.
وباختصار، لم تحدث الحكومة الأفغانية في العام الماضي أي تغيير في “مائدة” الشعب، وهو ما وعد به كل طرف أثناء الحملات الانتخابية، وبناءً على بعض الإحصاءات أثرت الحكومة سلبا على “موائد” المواطنين[5].
الفساد الإداري
نهاية عام 2014م، تم عقد مؤتمر لندن وقدّم فيه الرئيس الأفغاني أشرف غني مقالا له بشأن الإصلاحات. وتم فيه توضيح خطة الحكومة الأفغانية لمكافحة الفساد. وادعت الحكومة بأن ترفع الخطوات الآتية:
- إحداث مهمة خاصة لمكافحة الفساد، مع وقت محدد وصلاحية تنفيذية،
- إجراء إصلاحات في إدارة المحاسبة العامة،
- إحداث لجنة توفير وطنية، تدير العقود الكبيرة لتخرج البلد من الفساد،
- تجهيز القضاء العالي لتنفيذ إصلاحات فيه، لرفع رواتب القضاة وتوفير التسهيلات لهم،
- على جميع المسؤولين الحكوميين تسجيل ممتلكاتهم،
- بدء النظام المصرفي عبر الهواتف،
- إعادة النظر في قوانين وطرق عمل أحدثت الفساد الإداري،
- إجراء إصلاحات في النظام الانتخابي،
- إجراء إصلاحات في النظام القضائي،
- وغيره[6]
ولكن لم يتم بعد إحداث أي مهمة خاصة لمكافحة الفساد ولم تأت إصلاحات في أي شأن. ويبقى فتح ملف كابل-بانك، هو الشيء الوحيد تعتبره الحكومة خطوة لمكافحة الفساد، وقال وزير المالية الأفغاني في مؤتمر “سام”، إن 228 مليون دولار من ديون كابل بانك، تم استرجاعها.
ووضعت الحكومة حظر السفر على المتهمين بالفساد الإداري، مثل مسؤولي بلدية كابول السابقين، و22 مسؤولا رفيعا في وزارة إحداث المدن، و150 من أصحاب ديون كابل بانك، ومسؤولين آخرين.
وتمت أيضا مناقشة ملف المتهمين بالفساد من وزارة إحداث المدن، وسُلمت أوراقهم إلى المحكمة العليا، ومن دون ما سبق، لم تجري أي مكافحة للفساد، ولم يُتخذ أي موقف صارم، ولا زال مستوى الفساد في الصعود.
اللجوء والفرار من البلد
كثير من الأفغان يعيشون في باكستان وإيران. حدثت في البلدين أحداث أجبرت عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان على العودة إلى أفغانستان منذ مطلع عام 2015م. بناءً على أرقام منظمة اللاجئين الدولية، رجع إلى أفغانستان منذ بداية عام 2015م، وحتى 30 من شهر يونيو، ما يقارب 137803 لاجئا غير مسجلا عبر طريق “اسلام قلعة”، و”ملاك”، كما ورجع 89561 لاجئا غير مسجلا عبر طريق طورخم، ورجع 9949 لاجئا عبر طريق “سبين بولدك”.
وإثر محاولات وزيارات للرئيس الأفغاني أشرف غني حُلت مشكلة اللاجئين غير المسجلين. وتعهد المسؤون في إيران وباكستان بتسجيل اللاجئين غير المسجلين، وتم تمديد مهلة بقاء اللاجئين الرسميين إلى عامين آخرين.
وفي العام الماضي كان أهم نشاط الحكومة في حقل اللاجئين، لكن خطة وزارة اللاجئين ليست واضحة بعد. كان على الحكومة أن تضع خطة واضحة بشأن اللاجئين، فإن هذه الأزمة لا تُحل بتمديد مهلة بقائهم خارج البلد، وعلى الحكومة أن تضع جدولا زمنيا واضحا لاستطاعتها لاستقبال اللاجئين.
وقد زاد منذ ثلاث سنوات اللجوء غير القانوني للأفغان إلى أوروبّا. وبناءً على إحصاء قدّم 26215 أفغانيا طلب اللجوء إلى أوروبّا في عام 2013م، وصل العدد عام 2014م، 41370 شخصا[7]، وأما في 8 أشهر من العام الجاري وبناءً على أرقام منظمة اللاجئين الدولية سافر 80 ألف أفغان إلى أوروبا. وأظهرت تقارير وزارة المهاجرين الأفغانية، وصحيفة “ويلت أم زونتاك”، الآلمانية في الأسبوع الماضي تصاعدا في الأرقام. وبناء على أرقام الوزارة يغادر شهريا 60 ألف أفغان البلد[8]، وسجلت الصحيفة العدد شهريا مئة ألف[9].
وترجع عوامل مغادرة الأفغان بلدهم في العام الأول لحكومة الوحدة الوطنية إلى الآتي:
- تدهور الأمن والحرب،
- البطالة،
- شروط قبول سهلة في بعض الدول الأوروبّية[10].
وستؤثر مغادرة الجيل الشاب من البلد في السنوات القادمة سلبا على البلد.
السياسة الخارجية
في العام الماضي تم أخذ قرارات مهمة في مجال السياسة الخارجية، وبعد تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، تغيّرت السياسة الخارجية تماما عن تلك التي كانت في الفترة الثانية من حكم حامد كرزاي.
وكانت قرارات “حكومة الوحدة الوطنية”، في عامها الأول بشأن السياسة الخارجية كالتالي:
- فور تشكيل الحكومة وخلال 24 ساعة، تم توقيع اتفاقيات أمنية مع أمريكا والناتو،
- تم تعزيز وتوسيع العلاقة مع باكستان، وكانت علاقات كابول أقرب إلى إسلام آباد، مقارنة بأي وقت آخر طيلة 14 سنة الماضية،
- كانت أول زيارة لأشرف غني إلى الصين، وركزت في سياسته الخارجية على الصين،
- تم إشراك الصين وباكستان في عملية السلام،
- حاولت الحكومة الأفغانية أولا بأن تقرب نفسها من السعودية. سافر أشرف غني إلى السعودية للعمرة، والتقى بالمسؤولين السعوديين، ثم أعلن دعمه للموقف السعودي في الأزمة اليمنية،
- وأما العلاقات مع الهند أصبحت باردة، إلى أن الهند رفضت كثيرا من مطالب أفغانستان التي كانت تخص اتفاقية استراتيجية للتعاون.
خطأ السياسة الخارجية
كانت حسابات الحكومة الائتلافية في سياستها الخارجية في عامها الأول خاطئة. ووقّعت مع الناتو وأمريكا اتفاقية أمنية بهدف إحلال السلام في البلد، ولكن لم يحل الأمن في البلد، بل اتسعت الحرب يوما بعد يوم، ووصلت شمالي أفغانستان، وسقطت المديريات واحدة تلو الأخرى إلى أن وصل الأمر إلى سقوط ولاية كندز كاملة.
ومنحت الحكومة تنازلات كثيرة للجانب الباكستاني، وقلّصت من علاقاتها مع الهند استرضاء لباكستان. وفعلت كابول كل ذلك من أجل أن تحمل باكستان على أن تحضر حركة طالبان الأفغانية على الجلوس خلف طاولة الحوار، وأن يحل السلام في البلد، وأن تنتهي الحرب، لكن هذه الحسابات أيضا خرجت خاطئة، فلم يأت سلام، ولم يحل أي أمن، وازداد تدهور الأمن.
وكانت حسابات الحكومة الأفغانية في دعمها للموقف السعودي في الأزمة اليمنية خاطئة أيضا، لأن ذلك كان من أجل إشراك السعودية في عملية السلام، ومنح السعودية تأشيرات عمل لمئة ألف عمال أفغان، لكن السعودية لم تساعد أفغانستان منذ ستة شهور أي مساعدة واضحة.
النهاية
[1] راجع الرابط التالي:
http://www.dw.com/en/dashed-hopes-a-year-into-afghanistans-unity-government/a-18748050
http://www.tolonews.com/TOLOnews_photo/pdf/TOLOnews_4th_NUG_approval_rating_August_2015.pdf
[2] يقول رئيس اتحاد العمال الأفغاني بأن 13 مليون أفغان يعانون من البطالة. (راجع العدد 131 من تحليل الأسبوع).
[3] في يناير من 2005م، كان سعر أفغاني واحد 47 دولار، بداية عام 2014م، وصل سعر أفغاني واحد إلى 56,33 دولار، والآن استقر السعر 65 دولار. (راجع العدد 131 من تحليل الأسبوع).
[4] نفس المصدر.
[5] راجع الرابط التالي:
http://www.tolonews.com/TOLOnews_photo/pdf/TOLOnews_4th_NUG_approval_rating_August_2015.pdf
[6] Realizing Self-Reliance: Commitments to Reforms and Renewed Partnership (Draft Paper of Ashraf Ghani to be presented in London Conference)
[7] See online:< http://ec.europa.eu/eurostat/statistics-explained/index.php/File:Countries_of_origin_of_(nonEU)_asylum_seekers_in_the_EU-28_Member_States,_2013_and_2014_YB15_III.png>
[8] صحيفة ويسا، يوم الإثنين 6 من شهر ميزان.
[9] دويش ويله (بشتو)، شهريا يغادر أربعون ألف من الأفغان البلد، على أساس مقال في 29 من سبتمبر 2015، وهو في الرابط التالي:
http://www.dw.com/ps/%D9%87%D8%B1%D9%87-%D9%85%DB%8C%D8%A7%D8%B4%D8%AA-%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%81%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%DA%85%D8%AE%D9%87-%D8%B3%D9%84-%D8%B2%D8%B1%D9%87-%DA%A9%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D9%88%DA%81%D9%8A/a-18744037
[10] العدد 130 من تحليل الأسبوع، لمركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية.