سقوط ولاية قندوز ومرحلة جديدة للحرب الأفغانية

مرت 14 سنة على تواجد قوات الناتو وأمريكا في أفغانستان، ووصل الوضع الأمني إلى حد، سيطرت حركة طالبان بعد 14 سنة، على ولاية قندوز من أهم الولايات الأفغانية.

انتشر الخبر في الإعلام الداخلي والأجنبي بشكل واسع، وأعتبر تحديا كبيرا. تراقب دول المنطقة سقوط ولاية قندوز، مع الاضطرابات الأمنية الحالية في أفغانستان وتقدم حركة طالبان. وأثار الحادث ردود فعل عالمية واسعة، ويبدو أن أمريكا تنوي إعادة النظر في مواقفها الأخيرة وفي حربها الدائرة في أفغانسان.

بعد سقوط قندوز وأثناء عمليات إستعادة المدينة، أثار قصف القوات الأمريكية مستشفى أطباء بلا حدود السافر عن مقتل الكثيرين، ردود فعل داخلية وعالمية.

في المجال الأمني أظهر سقوط قندوز ضعف “حكومة الوحدة الوطنية”، ومن الممكن أن تتسع الحرب الأفغانية. إضافة إلى ذلك أثارت الاضطرابات الأمنية شمالي أفغانستان قلقا لدى دول الجيران من وصول هذه الاضطرابات الأمنية إليها.

تغيير الاستراتيجية الحربية لدى طالبان

عند أول وهلة لسقوط ولاية قندوز كان من المتوقع بأن تغادر طالبان هذه المدينة قريبا، أو تُخرجها القوات الأمنية منها، لكن طالبان لم تخرج من المدينة واستمرت في قتال مباشر. مع أن المسؤولين الأمنيين يتحدثون عن طرد مقاتلي طالبان من المدينة[1]، إلا أن الحركة تتحدث عن تواجدها القوي في قندوز[2]، ولا يُمكن إسناد السيطرة إلى أي جهة دون أخرى.

نرى في سقوط ولاية قندوز منحنى جديد في الاستراتيجية الحربية لدى حركة طالبان، ولها علامتان:

أولا: أن تتسع حرب طالبان إلى المدن الكبرى،

ثانيا: تريد حركة طالبان تعزيز موقع قدم لها في المناطق التي تسيطر عليها.

قبل سقوط ولاية قندوز، كانت حركة طالبان تنفذ عمليات التفجير أو عمليات عسكرية جماعية في المدن الكبرى، من أجل استهداف أي منطقة عسكريا وليس للسيطرة وبسط النفوذ فيها، ولكن بعد سقوط قندوز يبدو أن حركة طالبان تريد أن تنفذ حربا عامة في المدن وأن تعزز حضورها في المناطق التي تسيطر عليها.

لماذا سقطت قندوز؟

قبل السيطرة على مدينة قندوز سيطرت حركة طالبان في 24 من إبريل 2015م، على منطقة “كور تيبا”،  فيها من 40 إلى 50 قرية، وهي منطقة قريبة من مدينة قندوز. ثم سيطرت حركة طالبان على مديريتَيْ “شاردرا”، و”قلعه زال”. من جهة أخرى لم تصفّ القوات الأفغانية منطقة كورتيبا من عناصر طالبان، بل اكتفت ببناء مقر أمني في شارعها لسد طالبان. وإلى شهر أغسطس عززت طالبان تواجدها في مديريتَيْ خان آباد وإمام صاحب[3]، وفي شهر سبتمبر بدأت شنّ هجمات على مدينة قندوز.

قال مواطن أفغاني من مدينة قندوز لإذاعة صوت أمريكا، في 14 من شهر ميزان، إن حركة طالبان وزعت بيانا في المساجد يوم العيد جاء فيه ذكر هجوم على المدينة[4]. مع عدم الإطلاع على البيان، ربما كان بيان إدارة الأمن الوطني عن معرفتها بشأن هجمات جماعية على المدينة مبنيا على تلك البيانات.

إلى جانب ذلك، يظهر فشل القوات الأفغانية في استعادة المدينة أنها لم تكن تقاتل في تنسيق كامل، وكان تعاملها غير جيد مع سكان المنطقة. ويرى نواب ولاية قندوز في البرلمان الأفغاني أن هذه القوات فقدت التنسيق بينها.

وتمكن عوامل سقوط قندوز في التعامل السيء للمليشيا مع السكان، وفي “المافيا”، وتعزيز طالبان عسكريا. ويرى محمد عمر صافي حاكم الولاية سابقا أن مهربيّ المخدرات، والمسلحون غير المسؤولين، كانوا من عوامل سقوط المدينة. وقال إنه بعث بأسماء هؤلاء إلى الحكومة المركزية، لكن قيل له، ركّز على طالبان واترك المسلحين غير المسؤولين[5].

الكارثة الحالية في قندوز

منذ أسبوعين يعاني سكان ولاية قندوز من كارثة كبيرة. تم فيها استهداف مستشفى أطباء بلاحدود، قُتل فيه 22 شخصا، وجُرح العشرات الآخرون.

قصفت القوات الجوية الأمريكية في 3 من أكتوبر 2015م، مستشفى لأطباء بلاحدود ليلا فيما صرّحت المنظمة أنها وفّرت المعلومات لأطراف الحرب تجاه المستشفى. من جهة أخرى يُعتبر استهداف المستشفيات ومراكز الجرحى مخالفة لقانون جينوا. لذلك تقول منظمة أطباء بلاحدود إن القصف الأمريكي على المستشفى في قندوز لهو قصف على منظمة جينيوا[6].

يقال إن القوات الأمريكية نفّذ القصف بطلب من القوات الأفغانية، لأن المسؤولين الأفغان يدعون بأن عناصر طالبان كانوا تحصنوا في المكان[7]. تم تنديد الهجوم عالميا، واعتذر الرئيس الأمريكي من وقوعه.

ويواجه سكان قندوز منذ أسبوعين قلة في الأغذية، وانعدام الكهرباء، والخدمات الصحية، وقصفا وقتلا. وهو أمر سبب لجوء عدد كبير من سكان قندوز إلى الولايات المجاورة، وصلت أعدادهم بناءً على وزارة المهاجرين الأفغانية ستة آلاف[8].

تواجد طالبان القوي في الشمال

يُظهر سقوط ولاية قندوز تواجدا قويا لحركة طالبان شمالي أفغانستان. ولمدينة قندوز أهمية استراتيجة كبيرة لطالبان من أجل العمليات والمحاولات المستقبلية. وبدأت طالبان المرحلة الجديدة من عملياتها من قندوز لأنها كانت أول مدينة في الشمال استولت عليها طالبان في التسعينيات من القرن الماضي وكانت آخر مدينة خرجت من يدها عام 2001م.

وتكمن أهمية مدينة قندوز في أنها تقع على طريق ولاية تخار وولاية بدخشان المهمتَيْن. ويظهر من احتدام المعارك في بدخشان وتخار أن تواجد طالبان في قندوز له أثر وقوة.

قبل سقوط قندوز وبعده، سقطت بعض المديريات في بدخشان، وبغلان، وتخار، وفارياب، شمالي أفغانستان. وجاء في تحقيق لمجلة “لانغ وار جورنال”، أن 29 مديرية من مجموع 398 مديرية أفغانية تخضع لحركة طالبان، وأن حربا شرسة تدور في 36 مديرية أخرى، وتحديدا تسطير حركة طالبان على 9 مديريات في أربع ولايات شمالية (بدخشان، وبغلان، وقندوز، وتخار) [9].

وسيطرت حركة طالبان في الأسبوع الماضي على مديرية كوهستانات في ولاية سربل[10]، كما وسيطرت على مديرية قيصار في ولاية فارياب. وبذلك تتسع الاضطرابات وسيطرة طالبان على المديريات من ولاية بدخشان إلى فارياب، ولهذه الولايات الشمالية حدود مع دول آسيا الوسطى.

مع أن عوامل هذه الأوضاع تكمن في مشاكل الحكومة، والخلافات الداخلية، وعدم تنسيق القوات الأمنية، وفي تواجد القوات المسلحة غير المسؤولة، لكنه أمر يُظهر تواجدا قويا لحركة طالبان في الشمال أيضا.

اضطرابات الشمال تُقلق دول المنطقة

تكمن عوامل قلق دول آسيا الوسطى تجاه الاضطربات الأمنية الجارية شمالي أفغانسان، في الآتي:

أولا: تواجد مقاتلين لدول آسيا الوسطى في المناطق الشمالية الأفغانية[11]،

ثانيا: خطر توسع الاضطرابات الأمنية إلى آسيا الوسطى،

ثالثا: تنظيم داعش، وقد بايعته حركة أوزبكستان الإسلامية، واتحاد الجهاد الإسلامي، وجماعة الأنصار.

من هنا، أثار سقوط قندوز ردود فعل في دول آسيا الوسطى وفي روسيا.

في أول أيام من سقوط قندوز، سدت الحكومة الطاجكية ثلاثة معابيرها مع الجانب الأفغاني، تفيد الأخبار الأخيرة فتحها. وأظهر الرئيس الطاجيكي قلقا بشأن الأوضاع الأمنية الحرجة شمالي أفغانستان، ويرى أن60% من مناطق الشمال تعاني من حرب دائرة.

بسبب الأوضاع الأمنية الحرجة شمالي أفغانستان، أوصلت روسيا عدد قوات منظمة الأمن المشترك إلى 70 ألف، تصل خلال 72 ساعة إلى مكان التهديد. وفي شهر مايو تم تدريب 2500 جندي من هذه القوات عسكريا في طاجكستان، وفي شهر سبتمبر 2015م، درّبت روسيا 95 ألف من هذه القوات للوقاية من أحداث غير مترقبة في آسيا الوسطى. إضافة إلى ذلك رفعت روسيا عدد جنودها في طاجكستان من 6500 إلى 9 ألف جندي[12].

سقوط قندوز وملف انسحاب أمريكا

أثار تقدم حركة طالبان الأخير جدلا كبيرا في الأوساط الغربية وخاصة الأمريكية تجاه الملف الأفغاني، كما وأثار قلقا بشان عودة طالبان إلى مسرح الحكم في أفغانستان مرة أخرى، وأن لا يصبح البلد مثل التسعينيات ملاذا آمنا لـ”لمتطرفين”.

وقال الجنرال كمبيل قائد القوات الأمريكية في أفغانستان أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، إن على أمريكا إعادة النظر في سحب قواتها من أفغانستان، لأن هذه الخطة تم وضعها فيما لم يكن لداعش أي حضور في أفغانستان، وتختلف أوضاع أفغانستان الحالية مع عام 2014م، تماما[13].

وقال عضو في اللجنة العسكرية لمجلس الشيوخ الأمريكي في حوار مع سي إن إن: “إن انسحاب أمريكا من أفغانستان سيكون خطأ كبيرا. على الحكومة أن لا ترتكب هذا الخطأ، كي لا يهدد الإرهابيون أمن أمريكا[14]“. مع أن جدلا حادا يجري في الأوساط الأمريكية بهذا الشأن، لكن مراقبين أفغان يعتبرون ذلك مسرحية ويرون أن القوات الأمريكية لا ترغب في الانسحاب من أفغانستان وترمي من خلال هذه المواقف إلى أهداف طويلة المدى.

النهاية

[1] راجع تقرير إذاعة الحرية، بعنوان استعادت القوات الأفغانية أجزاء كبيرة من مدينة قندوز من يد مقاتلي طالبان، في الرابط التالي: http://pa.azadiradio.org/archive/local/20151007/1092/2120.html?id=27292402

[2] راجع، موقع طالبان الرسمي، معلومات جديدة حول مدينة قندوز والمديريات، في الرابط التالي:

http://alemara1.org/?p=30487

[3] لمزيد من المعلومات راجع الرابط التالي:
https://www.afghanistan-analysts.org/the-fall-of-kunduz-what-does-it-tell-us-about-the-strength-of-the-post-omar-taleban/

[4] قناة صوت أمريكا، السابعة من مساء كابول، على ترددات القناة الوطنية الأفغانية، 14 من شهر ميزان.

[5] راجع حوار قناة “شمشاد”، مع محمد عمر صافي حاكم قندوز سابقا.
http://www.shamshadtv.tv/2013-03-27-17-58-02/4015.html

[6] بي بي سي، قصف مستشفى قندوز قصف على جينيوا. 7 من أكتوبر 2015م.
http://www.bbc.com/pashto/afghanistan/2015/10/151007_ma_mfs_geneva_kunduz

[7] لمزيد من المعلومات راجع الرابط التالي:
https://www.afghanistan-analysts.org/airstrike-on-a-hospital-in-kunduz-claims-of-a-war-crime/

[8]  طلوع نيوز: : http://www.tolonews.com/pa/afghanistan/21731-kunduz-war-leaves-6000-homeless-officials

[9] راجع التحقيق في الرابط التالي:
http://www.longwarjournal.org/archives/2015/10/taliban-controls-or-contests-scores-of-districts-in-afghanistan.php

[10] الموقع الإنجليزي لطلوع نیوز، 3 من أكتوبر:

http://www.tolonews.com/en/afghanistan/21702-sar-e-puls-kohistanat-district-falls-to-taliban

[11] تؤيد الحكومة الأفغانية تواجد مقاتلين من الشيشان، والأوزبيك، والطاجيك، والتركمان، ضمن الاضطرابات الأمنية في الشمال. وترى لجنة الأمن الوطني الطاجيكي بأن مقاتلين مسلحين من المجموعات المتطرفة الطاجكية فرّت إلى المناطق الشمالية الأفغانية قرب الحدود مع طاجكستان.

[12] لمزيد من المعلومات راجع الرابط التالي:
http://gandhara.rferl.org/content/afghanistan-kunduz-central-asian-security/27289273.html

[13] Xinhua News, US Commander in Afghanistan proposes change in withdrawal plan, 7th Oct 2015, see it online: <http://news.xinhuanet.com/english/photo/2015-10/07/c_134688471.htm>

[14] تم نشره في 13 من شهر ميزان للعام الهجري الشمسي 1394، من قناة سي إن إن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *