عملية السلام الأفغانية بين محاولات الحكومة ووعود باكستان
بعد تدهور العلات بين أفغانستان وباكستان، يتحدث المسؤولون الباكستانيون عن تعاون من أجل محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. وتحدث نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني عن محاولات بلده لإعادة محادثات السلام. وقال راحيل شريف قائد أركان الجيش الباكستاني قبل ذلك، إن حركة طالبان إن لم تدخل في سلام مع الحكومة الأفغانية فإنها تنضم إلى داعش.
جرت جولتان من المحادثات في أورومتشي وإسلام آباد، بين مندوبي الحكومة الأفغانية، وأفراد عرّفتهم باكستان على أنهم مندوبي حركة طالبان. وعندما وصل الحديث في محادثات مري الباكستانية إلى طرح الهدنة، تم تأجيلها إلى الجولة التالية، لكنها ومع الإعلان بوفاة الملا محمد عمر أجّلت إلى أمد غير معلوم، ولم تُعقد بعد.
استقبلت الحكومة الأفغانية تصريحات نواز شريف، واشترطت لبدء العملية أن تقطع باكستان دعمها لحركة طالبان.
تجريد باكستان وزيارة نواز شريف إلى أمريكا
إن سياسة أشرف غني الرئيس الأفغاني تجاه باكستان ومدُّ يدِ الصداقة إلى الجانب الباكستاني، رغم مشاكلها، كانت إنجازا للجانب الأفغاني، لأنه أظهر للمجتمع الدولي بأن أفغانستان صادقة في موقفها. ومن هنا وبعد الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، وبعد جولة من المحادثات بين الحكومة الأفغانية ومندوبي حركة طالبان واجهت باكستان ضغوطا كبيرة، وقال أشرف غني مرارا، إن باكستان تجري حربا غير معلنة مع أفغانستان، وينبغي إحلال سلام مع باكستان أولا. وهو أمر أجبر رئيس الوزراء الباكستاني، وقائد أركان الجيش الباكستاني، ومستشار الأمن الوطني بأن يتحدثوا عن محاولات لبدء محادثات السلام.
من المقرر أن يقوم نواز شريف بزيارة إلى أمريكا وأن يلتقي مع أوباما الرئيس الأمريكي، وتحتوي أجندة زيارته مناقشة الملف الأفغاني، ومن هنا يرى بعض المحللين إن تصريحات نواز شريف على أعتاب زيارته لأمريكا ليست أكثر من دعايات. ومع ذلك يبدو أن باكستان من أجل مصالحها تريد تحسين علاقاتها مع أفغانستان وأن تظهر للمجتمع الدولي بأنها صادقة في موقفه مع أفغانستان. لكن وعود باكستان المتكررة في عملية السلام وعدم الوفاء بها، سبب في أن ينظر الجانب الأفغاني بعين الريبة إلى الموقف الباكستاني، فهناك ضرورة إلى ضمانة قوية.
محاولات السلام عبر المجلس الأفغاني الأعلى للسلام
أيام حكم كرزاي بدأت محاولات الحكومة لجلب عناصر طالبان. بداية لم تعتبر الحكومة حركة طالبان، مجموعة ذات أهمية وكانت لا ترى أي ضرورة للمصالحة مع طالبان مع تواجد القوات الأجنبية، ورأت أن السلام يمكن حصوله عبر السلاح.
وحصول السلام عبر السلاح يعني هزيمة الجانب المقابل تماما، إذ لا تبقى ضرورة للمفاوضات. وعلى ذلك أسس حامد كرزاي “المجلس الأفغاني الأعلى للسلام”.
وفي الصعيد المتصل، وصل الحزب الإسلامي بزعامة المهندس حكمتيار والذي لم يشارك في مؤتمر بن واستمر في قتاله ضد الحكومة، إلى النتيجة بأن الحرب ليست حلا، وأن الحزب يمكنه أن يتفاهم مع الحكومة الأفغانية وأن يتعاون معها.
بعث حكمتيار وفدا إلى كابول وقدم مقترحا لحل أزمة أفغانستان، لكن الحكومة الأفغانية ورغم إعادة نظر حكمتيار في المقترح مرارا لم تعر اهتماما به، وانتهت الزيارات إلى ضم رؤساء وفود الحزب إلى الحكومة، ولم يحدث أي تفاهم مع زعامة الحزب. لكن الحزب فقد قوته السابقة كجبهة معارضة مع القوى الأجنبة والحكومية.
هي تجربة دفعت حامد كرزاي للأخذ بها مع حركة طالبان أيضا، فاتصل مع زعامة طالبان على أسس قومية، وركّز على الملا برادر مساعد الملا محمد عمر من قبيلة “بوبلزاي”، التي ينتسب إليها كرزاي نفسه. إلا أن حركة طالبان تشترط لحل الأزمة انسحاب القوات الأجنبية كاملة، وتأسيس حكومة مبنية على الشريعة الإسلامية، وهو أمر يحول دون ضمها إلى الحكومة. ومن هنا لم تثمر جهود المجلس الأفغاني الأعلى للسلام، ولن تثمر أيضا.
سياسة وضع الضغوط على باكستان
مع أن حركة طالبان اشترطت انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان لبدء المفاوضات، إلا أن “حكومة الوحدة الوطنية”، وقّعت الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، وسدّت باب المفاوضة مع طالبان. واشترط حامد كرزاي لتوقيعها إحلال السلام، لكن زعماء الحكومة الجديدة اعتبروا أن بقاء القوات الأجنبية في أفغانستان ودعمها الطويل في المجال العسكري سيوفر السلام.
قبل وصوله إلى الرئاسة كان أشرف غني يتحدث عن السلام، لكن بعد ذلك عندما أتهمت بإهمال السلام عبر توقيع الاتفاقية، كان يقول إن الصين وباكستان وعدتا لي بأن تحملا حركة طالبان على السلام. لا أحتاج للتفاوض مع طالبان.
وعلى ذلك منح تنازلات كثيرة للجانب الباكستاني، وتعهدت بالكثير. يجب أن نقبل بأن باكستان ليست الجهة المتدخلة الوحيدة في الأزمة الأفغانية، بل وتتعلق مصالح دول كثيرة منها أمريكا وبريطانيا بالوضع الأمني الأفغاني. بعد فترة من المشاكل بدأت روسيا تنتصب على قدميه، وأطلقت حربا باردة جديدة مع أمريكا. وفيما وصل الجدل بين إيران والدول العربية من سوريا والعراق إلى اليمن، لا تزال الخلافات الموجودة بين الهند وباكستان على حالها. لذلك إن التعويل على باكستان في عملية السلام، والتوقع من الصين بوضع ضغوط على الأولى أمر لا يجدي نفعا.
أشار الملا أختر منصور زعيم طالبان الجديد في أول كلمة له إلى هذا وقال إن مفاوضات السلام لعبة فقط وأن الحرب سوف تستمر. أوّلها البعض إلى انعدام مفاوضات السلام تماما، وأن حركة طالبان قد رجعت إلى موقفها قبل 2009م.
وأشار الملا أختر منصور في كلمته إلى المكتب السياسي لحركة طالبان. وبما أن المكتب السياسي هو الجهة الوحيدة المخول إليها أمر المفاوضات، يمكن فهم الإشارة بأن ملف المفاوضات ليس خارج إطار العمل لدى الزعامة الجديدة، لكن وضع ضغوط على باكستان لا يجدي.
هل تلحق طالبان بـداعش؟
تنتشر في الآونة الأخيرة تقارير مبالغة فيها حول مستوى تواجد داعش القتالي في أفغانستان. أظهر الجنرال راحيل شريف قلقه تجاه الوضع الأمني في أفغانستان وقال إذا لم تبدأ مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، من الممكن أن تنضم طالبان إلى داعش.
كما وأظهر الجنرال جون كيمبل قلقا تجاه أنشطة داعش الواسعة للتجنيد في مناطق مختلفة من أفغانستان، ليشاركه في القلق السفير البريطاني في كابول. تأتي هذه التصريحات فيما جعلت حركة طالبان شمال أفغانستان مضطربا وسيطرت لمدة أسبوعين على مدينة قندوز المهمة.
ويمكن أن يرجع سبب “إظهار داعش كبيرا”، من قبل أمريكا وبريطانيا إلى الخوف من سيطرة طالبان على أجزاء كبيرة من أفغانستان في حال خروج القوات الأجنبية من البلد. ففي 14 سنة من الحضور في أفغانستان واجه الغرب تكلفة مالية كبيرة وخسارة في الأوراح، ولا يمكن له أن يقول إن حركة طالبان لا زالت قوية، فهو اعتراف بالهزيمة ولا غير، وسيحمل الغربيين إلى القول إن قواتنا فشلت في دحر حركة طالبان طيلة هذه الفترة فليرجعوا إلى بيوتهم.
ومن هنا يمكن لإظهار داعش كبيرا وهو مجموعة جديدة، أن يُحدث عقلية جديدة في الغرب. وأن يكون ذلك بمثابة وجود عدو جديد، أخطر من طالبان والقاعدة وعليها تبقى قوات الغرب في أفغانستان.
الضرورة إلى تفاهم أفغاني ذات البين
أظهرت الاضطرابات الأمنية وسقوط مدينة قندوز بأن حركة طالبان وبعد 14 سنة من الحرب على “الإرهاب”، لم تضمحل، بل وجائت إلى المسرح أكثر قوة. وهو خير دليل على هزيمة استراتيجية الوصول إلى السلام عبر السلاح.
على طرفي الحرب الانتباه على أن الحروب الإقليمية تصبح أكثر تعقيدا يوما بعد يوم، منها انتشار الطائفية والعنصرية القومية. وفي حال استمرار هذه الحرب في أفغانستان، لا يمكن لنا النجاة من هذه الكارثة وسوف ننجر إليها على أي حال. وستكون نتيجة الحرب هزيمة كل أقوام البلد وفوز الأعداء.
إن الطريق الوحيد لحل أزمة أفغانستان يكمن في تفاهم أفغاني ذات البين، ومحاولة لإحداث مجموعة محايدة للوساطة، أمر سيضع نهاية لحرب الدول الأخرى بالوكالة في أفغانستان. وهي حروب من أجل مصالح الآخرين، يذهب الأفغان ضحية لها.
النهاية