أفغانستان في عام 2015م.. السلام والأمن والخلافات الداخلية
عام 2015م، كان عاما صعبا من الناحية الأمنية لأفغانستان، والمعركة بين الحكومة والمخالفين كانت أشد. ففي هذا العام انتشرت الاضطرابات الأمنية إلى مناطق كانت تُعتبر أكثر أمنا، كما وتغيّر أسلوب الحرب لدى طالبان. ولأول مرة انتقلت حركة طالبان من حرب الكر والفر إلى محاولة السيطرة على منطقة ما والبقاء فيها. ومن هنا سيطرت حركة طالبان على عدد من المديريات وإحدى المدن الاستراتيجية وذات أهمية كبيرة في البلد.
عملية السلام أيضا، مرّت بمراحل مختلفة وصحبتها آمال ويأس أيضا. عُقدت أول جلسة مباشرة للمفاوضات بين طالبان والحكومة في “مري”، قرب العاصمة الباكستانية، لكن العملية وبعد الإعلان بوفاة الملا محمد عمر زعيم طالبان توقفت، إلى أجل غير معلوم.
إلى جانب الوضع الأمني المتدهور، ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود في هذا العام، واجهت حكومة الوحدة الوطنية في سياستها الداخلية مشاكل كثيرة وخلافات داخلية، وإلى الآن هناك خلافات بين زعماء حكومة الوحدة الوطنية على عدة من أهم القضايا في البلد.
الوضع الأمني في البلد
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، مر البلد بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: بعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، تدهور الوضع الأمني أكثر، وفي كابول فقط حدثت سلسلة من التفجيرات الدامية.
المرحلة الثانية: زيارة رئيس أشرف غني إلى باكستان ومحاولاته من أجل إحلال السلام بمساعدة باكستانية،
المرحلة الثالثة: بعد الإعلان بوفاة الملا محمد عمر.
وبما أنا نناقش الأوضاع الأفغانية في عام 2015م، فنبدأ من المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية:
زيارة أشرف غني إلى باكستان
في 14 من نوفمبر 2014م، ذهب أشرف غني في أول زيارة إلى باكستان وتحدث مع المسؤولين الباكستانيين حول بدء مفاوضات السلام، وبأمل جلب دعم باكستان لعملية السلام منح تنازلات للجانب الباكستاني. زيارة أشرف غني إلى باكستان سببت تصاعدا في وتيرة هجمات طالبان بداية عام 2015م، لأن حركة طالبان قالت مرارا، إنها ليست تحت سيطرة باكستان، ولإثبات ذلك أطلقت الحركة عمليات شديدة باسم العزم.
ظهور داعش
أعلنت تنظيم الدولة الإسلامية بزعامة أبي بكر البغدادي في 29 من يونيو 2014م، “الخلافة”، في سوريا والعراق، بعد ذلك رحّب بالإعلان عدد في المناطق القبلية الأفغانية الباكستانية، كما و”بايع”، آخرون هذا التنظيم، مما أثار قلقا لدى آسيا الوسطى وروسيا بشأن نفوذ داعش في أفغانستان.
مع أنه وفي البداية كان كثير من التقارير بشأن تواجد داعش في أفغانستان دعاءات إعلامية ولم تكن له أنشطة كبيرة، لكنه وبمرور الأيام وخاصة في بداية 2015م، ولأول مرة أكّدت الحكومة الأفغانية تواجد داعش في أفغانستان. في شهر يناير اختار داعش حافظ سعيد خان من المنطقة القبلية أوروكزاي، أميرا، كما واختار عبدالرؤوف خادم عضو اللجنة العسكرية لطالبان نائب أمير على ولاية “خراسان”.
بعد الإعلان الرسمي للأمير والنائب على ولاية “خراسان”، التحق عدد أكبر لهذا التنظيم، لكن عدد الذين التحقوا بداعش في أفغانستان يبقى غير معلوم إلى الآن.
وفي هذه المرحلة اشتدت الخلافات بين طالبان وداعش، فبعثت طالبان رسالة إلى أبي بكر البغدادي زعيم داعش، لكن تنظيم داعش أظهر ردة فعل شديدة، ووصل الأمر شيئا فشيئا إلى مواجهات بين الطرفين.
توسع الحرب إلى شمال أفغانستان
تم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في بداية فصل الشتاء، وكان من المتوقع أن تنزل وتيرة الحرب، لكن ذلك لم يحدث بل اشتدت الحرب في فصل الشتاء يوما بعد يوم، وتوسعت.
أثبتت طالبان ولأول مرة ظهورها في شمال أفغانستان، وسيطرت على عدد من المديرات من بدخشان إلى فارياب، مما وفّر الأرضية لسقوط قندوز.
المرحلة الثالثة:
إعلان وفاة الملا محمد عمر
بدأت المرحلة الثالثة من اضطرابات أفغانستان بإعلان وفاة الملا محمد عمر. توسع فيها نطاق الحرب، وتغيّر أسلوب حرب طالبان. ففي العاصمة كابول فقط، حدثت سلسلة من التفجيرات، إحدى هذه الهجمات حدثت في منطقة “شاه شهيد”، مع أن طالبان لم تتبن هذا الهجوم.
ألقى الوضع الأمني المتدهور في كابول بظلال على السياسة الخارجية للحكومة، ولأول مرة تغيّر موقف أشرف غني تجاه باكستان. وفي مؤتمر صحفي أعلن أشرف غني بأن باكستان تقف في حرب غير معلنة أمام أفغانستان، ومن الضروري تحقيق السلام مع باكستان أولا.
وفي هذه المرحلة أيضا اشتدت أنشطة داعش في أفغانستان، وأقدم داعش في الخطف والقتل والذبح.
سقوط قندوز
في 28 من سبتمبر 2015م، سيطرت حركة طالبان على مدينة قندوز من أهم المدن الأفغانية. انتشر الخبر في الإعلام الداخلي والدولي، وتم اعتبار الأمر تهديدا خطيرا.
كما وأعتبر سقوط قندوز بداية تغيير أسلوب الحرب لدى طالبان، من عمليات الكر والفر إلى سيطرة المناطق، ووجهت قيادة طالبان مقاتليها إلى المحافظة على المناطق التي سيطروا عليها.
نفّذت الحكومة الأفغانية عمليات واسعة لاستعادة مدينة قندوز، واستمرت لـ15 يوما. بعد سقوط حكم طالبان في 2001م، كانت هذه أول مرة سيطرت طالبان على مدينة مهمة في أفغانستان وحدثت مواجهات مباشرة بين طالبان والقوات الأمنية الأفغانية.
خطة السلام
لقد وعد كل من أشرف غني وعبدالله أثناء الحملات الانتخابية بإحلال السلام في البلد. وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، توجه أشرف غني نحو الصين في محاولة لإحلال السلام، ثم ومن أجل الهدف نفسه ذهب إلى باكستان وحاول التقرب من إسلام آباد فمنح تنازلات للجانب الباكستاني، لم يتوقعها المسؤولون الباكستانيون.
بعد تحسن العلاقات بين الطرفين، وعد المسؤولون الباكستانيون للجانب الأفغاني، وحددوا شهر مارس لعقد أول جلسة لمفاوضات السلام. لكن باكستان لم تقدر أن تحضر طالبان إلى طاولة الحوار في الوقت المحدد، مما أثار شكوكا لدى الشارع الأفغاني تجاه نوايا باكستان وزاد ذلك يوما بعد يوم.
محادثات مري ومستقبل عملية السلام
عُقدت أول جلسة مفاوضات السلام بوساطة باكستانية في 18 من شهر يوليو 2015م، في منطقة مري بالقرب من إسلام آباد، وعلى إثر ضغوط باكستانية متواصلة اضطرت طالبان لإرسال مندوب إلى المحادثات. وبهذا، ولأول مرة اجتمع مندبو الحكومة الأفغانية في جلسة رسمية مباشرة مع طالبان، كما وشارك مندوبو الصين وأمريكا للمراقبة.
إن مشاركة مندوبين رسميين من طالبان في المحادثات المباشرة مع الحكومة الأفغانية، أثّرت كثيرا على طالبان. من هنا حدثت خلافات بين طيب آغا رئيس مكتب طالبان في قطر، والملا أختر منصور زعيم طالبان، وأخيرا استقال طيّب آغا من رئاسة المكتب بسبب إخفاء خبر وفاة الملا محمد عمر وانتخاب الملا أختر منصور زعيما لطالبان في داخل باكستان.
كما وتوقفت مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان إثر الإعلان بوفاة الملا محمد عمر، وبعد تغيير الزعامة لدى طالبان، بدأت موجة جديدة من الاضطرابات الأمنية في أرجاء أفغانستان، وفي هذه الأثناء وقعت حادثة منطقة “شاه شهيد”، مما سببت عن تدهور العلاقات بين كابول وإسلام آباد من جديد.
منذ شهر نوفمبر، وتحركت دبلوماسية إقليمية ودولية لاستئناف عملية السلام الأفغانية المتوقفة، وشملت الدبلوماسية أمريكا والصين، وجرت محاولات لترغيب الجانب الأفغاني والباكستاني لاستئناف عملية السلام[1]. من جهة أخرى، وبعد حادثة “شاه شهيد”، الدموية، تحدث المسؤلون السياسيون والعسكريون الباكستانيون عن جاهزية باكستان لاستئناف عملية السلام، لكن الحكومة الأفغانية لم ترد. وأخيرا وفي زيارة لزعماء الأحزاب البشتوية الباكستانية إلى كابول، تم الاستغلال بدبلوماسية “اللغة”، من أجل تحسين العلاقات بين البلدين، وذلك لتبدأ عملية السلام من جديد. وقد حمل هؤلاء الزعماء رسالة من نواز شريف إلى أشرف غني احتوت على طلب الأول للقاء مع الثاني على هامش مؤتمر باريس[2].
التقى أشرف غني مع نواز شريف في باريس، ودعاه نواز شريف للمشاركة في مؤتمر قلب آسيا في إسلام آباد، كما واقترح إجراء محادثات رباعية من أجل عملية السلام الأفغانية. بعد ذلك، وخلال “لقاء فيديوهي”، تعهد قائد أركان الجيش الباكستاني لأشرف غني بدعم عملية السلام الأفغانية، ودعاه للمشاركة في مؤتمر قلب آسيا.
في لقاءات أشرف غني مع نواز شريف، وقائد أركان الجيش الباكستاني، على هامش مؤتمر قلب آسيا، تم التوافق على خطة لمفاوضات رباعية لعملية السلام الأفغانية. وعلى أساس هذه الخطة، ستُعقد أول جلسة رباعية بين أفغانستان، وباكستان، وأمريكا، والصين، من 10 إلى 15 من شهر يناير، في إسلام آباد.
مدى جدوى هذه الجلسة سؤال سيكشف المستقبل عن إجابته لكن ومن دون أي ريبة، لن يشارك في هذه الجلسة مندبو الجناح الأساسي لطالبان، وستكون نتيجتها مثل محادثات جنيف أثناء الانسحاب السوفيتي من أفغانستان.
الخلافات الداخلية في الحكومة الأفغانية
كانت هناك خلافات كبيرة بين زعماء حكومة الوحدة الوطنية بشأن قضايا مختلفة، مما أسفر عن بقاء تشكيلة الحكومة ناقصة إلى الآن، وكثير من الولاة يؤدون المهام كقائمين بالأعمال. كما وتبقى الخلافات بشأن اللجان الانتخابية على حالها، ولم يصدر القرار بتوزيع بطاقات الجنسيات الإلكترونية. إلى جانب ذلك، أثّرت الخلافات الداخلية في الحكومة على السياسة الخارجية كثيرا.
النهاية
[1] لمزيد من التفاصيل، راجع العدد 142 من تحليل الأسبوع، عبر الرابط التالي: https://csrskabul.com/pa/wp-content/uploads/2015/11/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-%D9%87%D9%81%D8%AA%D9%87-142.pdf
[2] برای معلومات بیشتر به شمارۀ ۱۴۵ تحلیل هفته مراجعه نمایید: https://csrskabul.com/pa/wp-content/uploads/2015/12/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-%D9%87%D9%81%D8%AA%D9%87-145.pdf