العلاقات الأفغانية الهندية وزيارة الرئيس التنفيذي الأفغاني إلى الهند

لدى أفغانستان علاقات قديمة مع الهند. كانت هذه العلاقات في حال حسن أيام حكومت كرزاي، وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، إلى بعضة شهور سادت حالة من انعدام الثقة بين الطرفين. أخيرا وبعد تبادل الزيارات من قبل مسؤولي الطرفين، أصبحت العلاقات في وضع جيد.

قام عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي الأفغاني في 31 من يناير 2016م، بزيرة رسمية إلى الهند لمدة 4 أيام. وخلال هذه الزيارة التقى مع مودي رئيس وزراء الهند، وسواراج وزيرة خارجية الهند، ودووال مستشار الأمن الوطني الهندي. وشارك السيد عبدالله في مؤتمر “مكافحة الإرهاب”، في دهلي الجديدة، بهدف ارتفاع مستوى التعاون في مكافحة الإرهاب في المنطقة، كما وشارك في جلسة اقتصادية حول ميناء شاه بهار.

نناقش هنا، خلفية العلاقات الهندية الأفغانية، مع هذه العلاقات أيام حكم كرزاي، وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية, ونناقش تأثير زيارة الرئيس التنفيذي إلى الهند.

خلفية العلاقات الهندية الأفغانية

لدى أفغانستان علاقات صداقة قديمة مع الهند، وكان تجار البلدين يترددون بين البلدين. وأصبحت العلاقة في وضع أحسن في منتصف القرن الواحد والعشرين، بأن اعترفت أفغانستان بالهند بعد الاستقلال في عام 1947م، وفي عام 1949م، تم اختيار نجيب الله خان أول سفير أفغاني في دهلي.

أيام بدء الحرب الباردة، كان للبلدين موقف واحد تجاه الدول الأخرى، وشكّلتا حركة باسم عدم الانحياز. بعد الغزو السوفيتي، تدهورت علاقات البلدين. أيام الحرب الأهلية كان موقف الهند موقف تدخل في أفغانستان، لكن بعد سقوط حكم طالبان، وبدء حكومة كرزاي بدأت مرحلة جديدة في علاقات الطرفين.

العلاقات الأفغانية الهندية أيام كرزاي

لدى البلدين علاقات تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية قديمة. مع أن هذه العلاقات جربت منحنيات كثيرة، ومع ذلك كانت هذه العلاقات حسنة سوى فترة حكم طالبان.

من الناحية الدبلوماسية، لم تكن العلاقات الأفغانية الهندية جيدة أيام طالبان. لكن بعد وصول حامد كرزاي إلى الحكم، وتواجد قوي لتحالف الشمال في الحكومة المؤقتة لكرزاي، دخلت العلاقات الدبلوماسية مرحلة جديدة.

أيام حكم كرزاي كانت العلاقات الهندية الأفغانية في وضع حسن، لكن في الفترة الثانية من حكمه أصبحت العلاقات أحسن. فخلال 13 سنة من حكمه قام حامد كرزاي بـ14 زيارة رسمية إلى الهند، ومن الجانب الهندي زار منموهنك سينك رئيس وزراء الهند في 2005م، كابول، ووضع حجر الأساس لمبنى جديد للبرلمان الأفغاني.

من أجل توسيع علاقات الصداقة بين البلدين، بدأت قنصوليات هندية في ولايات هرات، وقندهار، وبلخ عملها. ووقّعت الهند اتفاقية تجارية مع أفغانستان، ألغي بموجبها ضريبة الأمتعة التجارية الأفغانية إلى الهند أو تقلّصت كثيرا.

دعمت الهند وهي سادسة دولة مانحة منذ 2001م، أفغانستان في مجالات الاقتصاد، والأمن، وبناء البنية التحتية، ما يقارب ملياري دولار. تم بناء طريق زرنج-دلارام، والذي يوصل أفغانستان بالهند عبر إيران أيام حكم كرزاي (2009م) من قبل الهند، وفي هذا العام بدأ بناء سد سلمى ومبنى جديد للبرلمان الأفغاني. كما وحصلت الهند على اتفاقية “منجم حديد حاجي كك”. وقامت بتدريب الآلاف في مجالات مدنية وعسكرية، وبهدف توسيع العلاقات أوسع وقّعت اتفاقية استراتيجية مع أفغانستان عام 2011م. وقد شكّل ميثاق صداقة الهند وأفغانستان لعام 1950 أساس هذه الاتفاقية. وفي حال تنفيذ هذه الاتفاقية سيكون دور الهند في المجال الأمني والاقتصادي أكثر من أي وقت.

العلاقات الأفغانية الهندية بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية

أظهر أشرف غني الرئيس الأفغانية خطة خارجيته في بيانه الانتخابي. وفي حفلة إدائه اليمين الدستورية، أكّد على ذلك كما وهو يسير عليه إلى حد ما حتى الآن.

مع أن خطة أشرف غني منذ البداية لم تدور حول الهند، وكانت الهند في الدرجة الرابعة من سياسة أفغانستان الخارجية، لكنه وضع الهند أحيانا في المرتبة الأولى وهي مرتبة (الجيران)، واعتبر أن العلاقات مع دهلي الجديدة لها أهمية كبيرة.

في إبريل 2015م، زار أشرف غني الهند رسميا. وفي شهر نوفمبر زار حنيف أتمر مستشار الأمن الوطني الهند. ثم قام حكمت خليل كرزاي بزيارة إلى الهند من أجل بحث طرق تنفيذ الاتفاقية الاستراتيجية بين كابول ودهلي.

نهاية عام 2015م، زار مودي رئيس وزراء الهند أفغانستان لأول مرة، لافتتاح المبنى الجديد للبرلمان الأفغاني. وقد تم بنائه بـ220 مليون دولار، كما وتم بناء سد سلمى بـ300 مليون دولار من قبل الهند.

مع أنه وبداية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وبسبب التقارب الأفغاني الباكستاني، لم تكن علاقات الهند جيدة مع أفغانستان، لكن تبادل الزيارات الأخيرة لعب دورا في تحسينها من جديد.

زيارة عبدالله عبدالله الأخيرة إلى الهند

هذه ثاني زيارة للرئيس التنفيذي الأفغاني إلى الهند. في شهر مارس 2015م، زار عبدالله الهند لأول مرة وكانت زيارته غير رسمية إلى حد كبير، ومع ذلك التقى مع نائب رئيس الوزراء، وعدد من مسؤولين رفيعي المتسوى.

أهمية زيارته الأخيرة أكبر من زيارته الأولى. لأنه التقى في هذه الزيارة مع مودي، وسواراج، ودووال، وعدد من المسؤولين الآخرين. وتم التركيز في هذه اللقاءات على ثلاث نقاط:

  • تنفيذ مفاد الاتفاقية الاستراتيجية بين الطرفين،
  • إيجاد فرص تعاون ثلاثي بين إيران والهند وأفغانستان عبر ميناء شاه بهار،
  • توقيع الاتفاقية السياسية والاقتصادية بين البلدين.

وفي لقائاته مع مسؤولي الهند طلب عبدالله تنفيذ الاتفاقية الاستراتيجية بين الهند وأفغانستان، وصرّح بأن الطرف الأفغاني جاهز للتعاون في هذا المجال.

ميناء شاه بهار مركز للتعاون بين إيران وكابول ودهلي الجديدة. مع أنه جرت من قبل محاولات هندية لبناء هذا الميناء، لكن الضغط الأمريكي بسبب الخلاف النووي حال دون ذلك. وفي زيارته إلى الهند طلب عبدالله تسريع عملية تنشيط الميناء، وأظهر أملا بتعاون إيراني أفغاني هندي في هذا المجال.

وخلال هذه الزيارة تم توقيع اتفاقية في المجال السياسي وأخرى في المجال الاقتصادي. أما الاتفاقية السياسية توفر فرصا لزيارة أصحاب جوازات سفر سياسية مما يمكن لدبلوماسسي الطرفين زيارة الطرف الآخر من دون تأشيرة. وتم توقيع الاتفاقية الأخرى في مجال الاقتصاد. إعفاء جوازات السفر السياسية من التأشيرة إنجاز كبير، وعلامة على صداقة العلاقات.

لدى الهند قلق حول النفوذ الباكستاني المتزايد في أفغانستان، وبعد عقد جلسات المحادثات الرباعية زاد القلق الهندي أكثر. وتريد الحكومة الأفغانية حاليا، أن ترفع هذا القلق.

توازن في العلاقات مع الهند وباكستان

في خارجية أفغانستان، لم يكن من السهل مراعاة التوازن في العلاقات مع الهند وباكستان. منذ 2001م، إلى 2009م، كانت لدى أفغانستان علاقت جيدة نسبيا مع الطرفين. بعد ذلك، وبتصاعد وتيرة هجمات طالبان، تأثرت سياسة كرزاي به، وتغيّر الموقف تجاه باكستان. ومن هناك اقتربت أفغانستان إلى الهند أكثر من باكستان. إضافة إلى ذلك، أثر تدخل أمريكا في انتخابات أفغانستان الرئاسية لعام 2009م، على سياسة كرزاي، وفي فترة 2009م، إلى 2014م، كانت علاقات أفغانستان مع باكستان وأمريكا متدهورة. وفي الجانب المقابل تحسنت العلاقات أكثر من الصين، وروسيا والهند.

عام 2013م، طلبت الحكومة الأفغانية تعاونا عسكريا من الهند، وخاصة طلب شراء الأسلحة الثقيلة. مع أن الرد الهندي كان نفيا، لكنه لم يؤثر على علاقات الطرفين.

بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، تغيّرت خارجية أفغانستان، ومن أجل الحصول على دعم باكستان في عملية السلام اقترب أشرف غني كثيرا من باكستان. وكخطوة ذات أهمية كبيرة أجّل أشرف غني طلب شراء الأسلحة من الهند. وفي 7 أشهر الأولى من عمر هذه الحكومة، تدهورت العلاقة مع الهند يوما بعد يوم. ولكن بعد أن يئست الحكومة الأفغانية من دعم باكستاني صادق لعملية السلام، حاولت من جديد تحسين العلاقة مع الهند.

في أول زيارة له زار أشرف غني الهند في 27 من إبريل 2015م، ولعب ذلك في الحد من حالة انعدام الثقة بين الطرفين. وفي هذه الزيارة قبل الجانب الهندي الطلب الأفغاني السابق بشراء الأسلحة الثقيلة، وطلب من الرئيس أشرف غني وضع قائمة بالأسلحة المطلوبة. أعتبرت هذه الزيارة ضغطا للجانب الباكستاني. وفي زيارة حنيف أتمر مستشار الأمن الوطني الأفغاني تم الإعلان بأنه من المقرر أن توفر الهند أربع مروحيات عسكرية من نوع (MI-25)، للقوات الأفغانية. ثم مثّلت زيارة مودي إلى أفغانستان لافتتاح المبنى الجديد للبرلماني الأفغاني جرس خطر للجانب الباكستاني.

مع أن العلاقات في الآونة الأخيرة تمر بوضع حسن مع الطرفين، لكن بالنظر إلى خلفية هذه العلاقات، سوف لن يستمر هذا التوازن كثيرا. إن الحكومة الأفغانية لم تستطع أن تحافظ على توازن في هذه العلاقات طيلة عقد ونصف. وتم استغلال العلاقات مع البلدين كثيرا بمثابة حربة وآلية ضغط.

مستقبل العلاقات الأفغانية الهندية

لو ندرس العلاقات الأفغانية الهندية على أساس خارجية حكومة الوحدة الوطنية ندرك، أن العلاقة مع البلدين تحسنت مقارنة مع أول أيام هذه الحكومة. من جهة أخرى، وبما أن الهند لها مكانة متصاعدة عالميا، ولها مشتركات مع أفغانستان، فإن العلاقات بينها وبين أفغانستان نحو توسع.

مستقبل مليارات دولار الهند في بناء أفغانستان، وتوسيعها أمر مهم. وقد ارتفع مستوى الدعم الهندي مع أفغانستان لهدف طويل الأمد وللحفاظ على هذا البلد كصديق إلى جانبها. ومع ذلك، وفي حال تغيير العلاقات الأفغانية الباكستانية إلى وضع حسن، قد تتغير هذه المعطيات.

من جهة أخرى، ليس على الهند بأن تشعر أن علاقاتها مع أفغانستان مهددة بهذا التغيير. فإلى الآن لم يكن أي نجاح في العلاقات بين أفغانستان وباكستان، وقد يستغرق ذلك سنوات لبناء الثقة، ورفع سوء الظن.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *