حكومة الوحدة الوطنية وتعديل نظام الانتخابات
بمرور نحو سنتين من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فإن مسألة تعديل نظام الانتخابات بأفغانستان غدت مشكلةً عويصةً لهذا البلد. كان رئيس الجمهورية والرئيس التنفيذي قد أظهرا تعهداً جاداً في اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية بتعديل نظام الانتخابات، إلا أنه نظراً لصعوبة عملية إصلاح نظام الانتخابات يبدو أن هذه القضية تحولت إلى لعبة سياسية.
مجلس الشورى الأفغاني رفض جميع أوامر رئيس الجمهورية التشريعية حيال تعديل نظام الانتخابات. تم رفض آخر أوامر رئيس الجمهورية التشريعية بتاريخ 24 جوزاء من قِبل غالبية نواب الشعب في البرلمان. واعتبرت رئاسة الجمهورية عدم تصويب هذا الأمر التشريعي عقبةً في طريق تعديل نظام الانتخابات.
تُطرحُ أسئلةٌ في هذا الصدد وهي: لماذا تواجه عملية تعديل نظام الانتخابات كل هذه التحديات؟ ماذا تريد الحكومة وماذا يريد البرلمان؟ وأخيراً ما هو مستقبل الانتخابات القادمة؟
الحاجة إلى التعديلات الانتخابية
اقترنت الانتخابات عام 1389 بإشكاليات كثيرة بسبب التزوير، وقد حُلت هذه الإشكاليات في وقتٍ سريعٍ إلا أنه وبسبب مشاكل في نظام الانتخابات تم طرح النظام الانتخابي الجديد عام 1392 من قِبل رئيس الجمهورية حامد كرزاي وتم تصويبه من قِبل البرلمان. عام 1393 اقترنت الانتخابات الرئاسية مرة أخرى بكمٍّ هائل من التزوير واستغرقت المنازعات حيال النتائج عدة أشهر. وبعد تدخل جون كيري وزير الخارجية الأمريكي تم التوافق بين الفريقين الانتخابيين، ومن أهم مواد الاتفاقية بينهما مواد تتعلق بتعديل نظام الانتخابات.
لم تُبذل جهودٌ جادة في تعديل نظام الانتخابات عقب تكوين حكومة الوحدة الوطنية، وبعد تأخير طويل تم تشكيل اللجنة الخاصة لتعديل نظام الانتخابات. رفعت اللجنة اقتراحاتها لإصلاح نظام الانتخابات وأصدر رئيس الجمهورية لمرتين بناءً على هذه الاقتراحات أمراً تشريعياً، إلا أن المجلس التشريعي رد كليهما.
الدافع الإساسي لسعي حكومة الوحدة الوطنية نحو تعديل نظام الانتخابات في عامها الأول هو الاستعداد لعقد انتخابات مجلس النواب ومجالس شورى المديريات ليتم بعد ذلك تعديل الدستور وجعل منصب الرئيس التنفيذي قانونياً؛ ولكن في ذروة النقاشات حيال انتهاء موعد حكومة الوحدة الوطنية في سنتين سافر جون كيري وزير الخارجية الأمريكي إلى كابل وصرح بأن عمر هذه الحكومة (وفقاً لتفسيره للاتفاقية السياسية لحكومة الوحدة الوطنية) خمس سنين، وهكذا حُلت مشكلة عدم مشروعية الحكومة بعد سنتين.
أوامر رئيس الجمهورية التشريعية
الأمران التشريعيان الصادران من رئيس الجمهورية (الأمر رقم 84 و 85) [1] المبنيان على مقترحات اللجنة الخاصة للتعديلات الانتخابية المتعلقان بتعديل قانون الانتخابات وقانون الهرم التشكيلي للجان الانتخابية تسببا في التغييرات الأساسية التالية في نظام الانتخابات:
- إعداد قوائم الناخبين بناءً على بطاقات الهوية.
- تغييرات في تشكيلة اللجنة المنتخبة.
- تغييرات في تشكيلة وتولي منصب المفوضية المستقلة للانتخابات بتقليل عدد أعضاء المفوضية وجعل مدة عملهم تناوبية.
- تغييرات في تشكيلة مجلس الشعب (شاملاً لكرسي إضافي للسيخ والهندوس).
- تغييرات في تشكيلة مجالس شورى الولايات والمديريات (تعيين 25% من الكراسي للنساء).
- توظيف معلمي المدارس وبقية الموظفين المدنيين في الانتخابات بشكلٍ مؤقت.
ردَّ البرلمان الأمر الأول الصادر من رئيس الجمهورية حيال تعديل قانون تشكيل المؤسسات الانتخابية في 21 ديسمبر 2015، وفي 26 ديسمبر رد البرلمان الأمر الثاني الصادر من رئيس الجمهورية المتعلق بتعديل قانون الانتخابات.
في 5 مارس 2016 أعلنت الحكومة أن رئيس الجمهورية أصدر أمرين تشريعيين آخرين (الأمر رقم 158 و159) [2] . هذان الأمران كانا مطابقين تقريباً للأمرين الأولين وكان الاختلاف فقط في عملية اختيار أعضاء اللجان الانتخابية.
في 23 أبريل 2016، أرسلت رئاسة الجمهورية أمراً إلى البرلمان متعلقاً بقانون تشكيل المؤسسات الانتخابية. في هذا الأمر إضافة إلى تغييرات أخرى تم اقتراح تغييرات في تشكيلة لجنة الانتخاب، وهذا الأمرُ التشريعي أيضاً تم رفضه من قِبل البرلمان. لم ترسل رئاسة الجمهورية إلى البرلمان الأمر المرتبط بتعديل قانون الانتخابات.
أمْر رئيس الجمهورية الأخير حيال قانون التشكيل تسبب في جدالٍ أكثر وقد تضمن اقتراحاً بالتغيير في تشكيلة لجنة الانتخاب. من جملة التغييرات : تعيين رئيسي مجلس النواب والمحكمة العليا في تشكيلة لجنة الانتخاب، إعداد قوائم المصوتين بناءً على بطاقات الهوية الوطنية، التغيير في تشكيلة مجلس النواب، التغيير في تشكيلات مجالس شورى الولايات والمديريات، وتوظيف مدرسي المدارس وبقية الموظفين المدنيين كموظفين مؤقتين في الانتخابات. بعض هذه التغييرات كانت مُتَضمَنةً في الأوامر السابقة التي أرسلت إلى البرلمان. هذا الأمر أيضاً تم رده بالغالبية الساحقة من أصوات النواب في 24 من شهر الجوزاء.
نظراً للرفض المتكرر لأوامر رئيس الجمهورية حيال تعديل نظام الانتخابات من قِبل مجلس النواب، بدا أن ردة فعل هذا المجلس مقابل التعديلات الانتخابية ازدادت حدةً.
عدم إعطاء حصة للبرلمان في تشكيلة لجنة الانتخاب اعتُبِرَ عاملاً في رد أمر رئيس الجمهورية الأول من قِبل مجلس النواب، ولذا عُين رئيسيْ مجلسيْ البرلمان كأعضاء في هذه اللجنة في الأمر الذي يليه، إلا أن هذا الأمر أيضاً تم رده، وقِيل حينها أن سبب الرد هو تأخير إرسال الأمر الرئاسي إلى البرلمان. (كان يجب أن يتم إرسال الأمر بعد شهرٍ من بداية السنة ولكن الحكومة أرسلته بعد شهرين.)
من جانبٍ آخر استقبلت لجنة الشكاوى الانتخابية خبر رفض رئيس الجمهورية من قِبل البرلمان بحفاوة وطلبت من مجلس الشيوخ رفض الأمر أيضاً. اعتبر نادر محسني المتحدث باسم لجنة الشكاوى الانتخابية سعي الحكومة في تعديل نظام الانتخابات أمراً مخالفاً للقانون، وذكر أن هذه المساعي تنطوي على أهدافٍ سياسية، وحسب تصريحه فإن هذا الأمر بدل تعديل نظام الانتخابات ركَّز على تغيير أعضاء مفوضية الانتخابات ورفع سقف صلاحيات الأجانب في أمور الانتخابات.
هناك تحليلات أيضا تدعي أن تعديل نظام الانتخابات يهدف إلى تقسيم اللجان الانتخابية وأعضاءها بـ 50-50، وفي هذه الحالة لن تكون المؤسسات الانتخابية مستقلةً ولن يصل إلى البرلمان مُنتخبون استقلاليون. لذا على الحكومة أن تركز على تعديل النظام بدلاً عن تغيير الأفراد.
آراء الناس حيال تعديل نظام الانتخابات (استعراض)
أظهر استعراضٌ من مركز الدراسات الإستراتيجية أن معظم الشعب لا يصدقون بنزاهة وشفافية الإنتخابات البرلمانية القادمة. طبقاً لهذا الاستعراض فإن 71.89% من الأشخاص الذين تم سؤالهم يعتقدون أن الانتخابات البرلمانية القادمة لن تكون نزيهةً ومستقلة، والنسبة المتبقية (10.2% فقط) يصدقون بنزاهة واستقلالية هذه الانتخابات. أكبر مستوى من عدم التصديق بنزاهة الانتخابات لوحظ في ولايتي ننجرهار و بلخ. (لمزيدٍ من المعلومات انظر الشكل-1)
شکل 1: هل ستكون الانتخابات البرلمانية القادمة نزيهة؟
جواباً على سؤالٍ آخر عن الجهات المُجْرية للانتخابات البرلمانية القادمة يُظهر استعراض مركز الدراسات الإستراتيجية آراء الناس المختلفة في هذا الصدد. أكثر الأشخاص الذين سُئلوا (46.9%) يرون إجراء الانتخابات من قِبل لجنة مستقلة جديدة. 34.11% يرون أن الانتخابات سيتم إجراؤها من قِبل المفوضية الحالية بعد التعديلات عليها، و 10.06% فقط يرون بأن المفوضية الحالية ستقيم الانتخابات. (لمزيدٍ من المعلومات ارجع للشكل-2)
شکل 2: من سيُجري الانتخابات البرلمانية الآتية؟
آراء الناس تجاه سعي الحكومة لتعديل قانون الانتخابات في السنتين الماضيتين مختلفة. 44.11% من الناس يرون أن الجهود سارت في الاتجاه الخاطئ، و 43.65%% يرون صحة سعي الحكومة في هذا الشأن. (لمزيدٍ من المعلومات انظر شكل-3)
شکل-۳: هل تعتبر سعي حكومة أفغانستان لتعديل نظام الانتخابات سعياً صائباً؟
النتائج
عملية تعديل نظام الانتخابات التي تم اشتراطها مسبقاً لإجراء الانتخابات القادمة سارت ببطءٍ شديد، ونظراً لتأخير تعديل نظام الانتخابات فإن أكثر الشعب لا يُؤمنون بأن الانتخابات البرلمانية القادمة ستنعقد في زمانها المعين. إلا أن رئاسة الجمهورية تؤكد على إجراء الانتخابات في وقتها المحدد.
حسب مصدرٍ في رئاسة الجمهورية، فإن القرار المُتخذ هو إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في زمنها المحدد رغم كل المشكلات.
بعد رد الأمر الأخير الصادر من رئيس الجمهورية حيال تعديل نظام الانتخابات، أعلنت رئاسة الجمهورية أنها ستتابع عملية التعديلات الانتخابية بعد استشارة المؤسسات الحقوقية. تؤكد رئاسة الجمهورية على إجراء الانتخابات في وقتها المحدد ولذا عيّنت اللجان المالية والأمنية لما يلزم وبعد استشارة المؤسسات القانونية ستعلن قرارها بهذا الصدد. يُحتمل في هذه المرة أن تُرسل حكومة أفغانستان الأمر التشريعي بتعديل نظام الانتخابات إلى المحكمة العليا.
انتهى
[1] النص المعدل من قانون الانتخابات: http://moj.gov.af/content/files/OfficialGazette/01101/OG_01184.pdf
[2] نص قانون الانتخابات بعد التعديل الثاني: http://moj.gov.af/content/files/OfficialGazette/01201/OG_01207.pdf