هل يقصف الأمريكان معسكراتهم خطأ؟

مقدمة

افاد المسؤولون المحليون في ولاية لوجر شرق أفغانستان، عن مقتل 5 من عناصر الجيش الأفغاني وجرح 17 آخرين جرّاء قصف جوي نفذته القوات الأمريكية في مديرية سرخ من هذه الولاية. يقول المسؤولون المحليون إن المعسكر الذي تم قصفه كان من قبل تابعا للقوات الأجنبية وهو معسكر تم تحويله أخيرا إلى القوات الأفغانية.

بعد مجيء القوات الأجنبية إلى الأراضي الأفغانية ومن قبل حادثة لوجر الأخيرة تم لمرات عديدة قصف بيوت الأبرياء وقراهم وفي كل مرة أعلنت القوات الأجنبية بأن القصف حدث خطأ وبطريقة غير مقصودة. ولكن على رغم من التكنولوجيا والتقنية العالية التي تملكها هذه القوات، هل يمكن أن تحدث هذه الأحداث خطأً؟ وأما إذا كانت تحدث بإرادة منهم، فماذا يمكن أن يكون القصد من ورائها؟

ناقش السيد محمد زبير شفيقي المحلل السياسي ومدير صحيفة (ويسا) هذا الموضوع على أساس أسئلة مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية، وإليكم تفاصيل التحليل:

خطأ غير مقصود أم خطة عملية

قصفت القوات الأمريكية معسكرا للجيش الأفغاني كان من قبل تابعا لهم ومع كل ما يملكونه من التقنية العالية أعلنوه خطأ حدث من دون قصد، ولكن الخطأ له تعريف معلوم ولو حدث للمرة الأولى فستكون له أسباب كثيرة وستتخذ إجراءات عدة لتجنبها، أما إذا تكرر الخطأ نفسه مرارا فهذا يعني أنه لا توجد إرادة لإصلاح المشكلة وأن الأمر خطة مدبرة.

يمكن أن يكون أحد أسباب حادثة لوجر، الموقف الأخير للرئيس الأفغاني من الاتفاقية الأمينة الثنائية مع أمريكا، لأن موقف السيد كرزاي من الاتفاقية صفعة على وجوه الساسة الأمريكان وهذه المخالفة الصريحة يصعب تحملها على الغرور الأمريكي. ولقد وضع الأمريكان ضغوطا كثيرة على الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، من أجل عدم توقيعه على الاتفاقية وبعض هذه الضغوط كانت عسكرية وبعضها الآخر اعلامية تكفله الاعلام العميل لأمريكا، توقفت بعض من المساعدات وبذلت جهود كثيرة لترسيخ المفهوم الذي يقول بأن القوات الأفغانية لا يمكنها فعل شيء دون مساعدة القوات الأجنبية، ويمكن اندراج ما حدث أخيرا في لوجر في قائمة هذه الضغوط.

إن قصف معسكرات الجيش الأفغاني والمناطق المسكونة وبيوت العامة إلى جانب تفتيش بيوت الأفغان، إرادة أمريكية مبيّتة ويعملونها عمداً، كي يحافظوا على القلق النفسي للشعب وبالتالي يبقوا على ذرائع بقائهم في أفغانستان.

الأمريكان وسلوك الإهانة

بعد أن تم قصف معسكر الجيش الأفغاني في لوجر، اعتبرت القوات الأمريكية ما حدث خطأ فقط، ولم تقدم أي إعتذار ولو بارد بشأنها. كيف يمكن لمروحيات القوات الأمريكية أن تقصف معسكرا كان لها؟ استعمال كلمة (الخطأ) هنا من أساسه سلوك مهين ومستفز.

منذ البداية كان سلوك الأمريكان مع الأفغان سلوكا مشحونا بالإهانة والاستفزاز، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو وجود أناس يُسمون بسياسين أفغان جعلوا سفارات الدول الأجنبية قبلة لهم، ولو كان للأفغان صوتا واحدا وموقفا متفقا عليه لما أمكن للأجانب أن يرفعوا أية خطوة خاطئة على الأراضي الأفغانية، ولئن فعلوا ذلك لاعتذروا من يومهم وندموا، ولكن للأسف الشديد هذا الموقف الدنيء لبعض ساسة أفغان وتغاضيهم عن السلوك الوحشي للأجانب، جعلهم أكثر جرأة في الاقدام على مثل هذا السلوك السيء والاستمرار فيه.

الاعلام العميل وازدواجية المعايير

قبل أيام قليلة من حادثة لوجر قامت حركة طالبان بهجوم على القوات الأفغانية في ولاية كنر وقتلت عناصر في الجيش الأفغاني وعنده نشرت جميع وسائل الاعلام الخبر بكل تفاصيله وكل قام باستغلال سياسي منه، ولكن كثيرا من هذه المؤسسات الاعلامية لم تنشر خبرا واحدا عن حادثة لوجر، مع أن عناصر الجيش الأفغاني في كنر قتلت على أيدي من يصرحون بالعداوة معهم، ولكن في لوجر فقد تم قصف المعسكر وقتل الجنود الأفغان على أيدي من يرفعون شعار الصداقة والمساعدة مع أفغانستان.

لا ينبغي للأفغان أن يتوقعوا من اعلام عميل للأجانب تدور رحاها بدولار أمريكي أن يقوم بنشر وحشة من يدفع له ويسانده، بدلا من خدمة مصالحهم ونشر قيمهم، لقد ثبت خلال ثلاث عشرة سنة خلت بأن الاعلام العميل للغرب وما يسمى بالمجتمع المدني المدعوم بدولار أمريكا  عملا وسيعملان أيضا، من أجل المصالح الأمريكية وفي مخالفة مع مصالح البلد، ولذلك لا يُرجى منهم خير.

اتفاقية الأمن أم الخوف

حقيقة الاتفاقية الأمنية الثنائية هي أنها لا تجلب ولا تضمن خيرا للبلد ولا يعالج الأمراض المزمنة، وتكمن المشكلة الأساسية في أن المجتمع الدولي لم يكن صادقا في وعوده مع أفغانستان ولقد ظلم البلدَ وخان عهده معه، وبالتالي إذا كان المجتمع الدولي يريد أية صداقة مستقبلية مع أفغانستان فعليه مراعاة القيم والظروف الأفغانية، وهو أمر لم يعمله حتى الآن.

عندما لا تكون للبلد قوة عسكرية ثابتة، ماذا تعني الاتفاقية مع أمريكا، ولماذا تُسمى بالاتفاقية الأمنية؟ والشروط الأخيرة للرئيس الأفغاني علامة استفهام كبيرة تقول ماذا تعني الاتفاقية الأمنية في بلد لا أمن فيها؟ وعندما لا يمكن للشعب الأفغاني أن يعيش في سلامة وثبات فلا جدوى للاتفاقية ولا قيمة لموضوع المساعدات الأجنبية.

من جانب آخر لا يريد الأمريكان الخروج من أفغانستان إذا ما كانت هناك اتفاقية أم لم تكن، وفي هذه الأيام تقوم بعض وسائل الاعلام الأمريكية بنشر تقارير تقول إن أمريكا يمكن لها أن تبقى في أفغانستان على أساس الاتفاقيات الماضية حتى وإن لم يتم توقيع الاتفاقية الأمنیة الأخيرة، وهناك سعي كبير من أجل أن تبقى أمريكا في أفغانستان كما هي الآن، ولها اختيارات وصلاحيات واسعة.

ولكن الاتفاقيات السابقة التي يستدل بها الأمريكان ويتخذونها حجة لمشروعية بقائهم في أفغانستان، كلها كانت اتفاقيات قصيرة المدى، وتم رفضها من قبل البرلمان الأفغاني أيضا. والاتفاقية التي تم توقيعها من قبل وزير الخارجية الأفغاني مع الجانب الأمريكي بداية الغزو الأمريكي على أفغانستان انتهى موعدها أيضا، وكانت اتفاقية ذل وعبودية ولا قيمة لها الآن. وكل موعد وجدول زمني اعلنه الأمريكان لانسحابهم من أفغانستان شاهدنا انتهاء آجالها، والرئيس الأفغاني يدرك جيدا أن الأمريكان لا يريدون الخروج من أفغانستان، ولكن المطلوب هو انسجام المقاومة أمامهم حتى يرحلوا من هنا خائبين خاسرين.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *