أمن أفغانستان بين المؤامرات والاحتكار
هجمات خاطفة مدمرة
فيما يتجه البلد نحو أزمة جرّاء الأوضاع والصراعات السياسية، فإن تصاعد وتيرة الاضطرابات الأمنية، والأحداث الخاطفة المشبوهة، ومعها موقف بعض القوات الأفغانية في بعض المناطق، وفقدان هذه القوات للتأيد الشعبي، أمور تقلق أوساط الشعب الأفغاني.
منذ سنوات عدة تستمر سلسلة قتل المدنيين من قبل القوات الأجنبية والأفغانية والمعارضة المسلحة وجهات أخرى، ومن جانب آخر وفي الآونة الأخيرة، نفذ عدو غير معلوم هجوما فتّاكا شرسا في “أرغون”، وفي صعيد متصل وقعت سلسلة من هجمات، وعلى المستوى الإقليمي تستمر العمليات الممنهجة في وزيرستان الشمالية، وكل هذه الأحداث عرقلة كبيرة تم وضعها عمدا أمام الأمن الأفغاني في المستقبل.
بعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان والعراق، تنقلب البلدان بين أوضاع أمنية سيّئة، وتعتبر الهجمات الخاطفة والتي تصنع الفوضى أسوء عمليات من نوعها، وهي هجمات خاطفة مدمرة.
وفي هذه الأوضاع يظهر ضعف المؤسسات الأمنية وتأثيرها، وكذلك النقائص الموجودة فيها، وعدم الاهتمام بهذه المؤسسات.
أزمة المؤسسات الأمنية
إن عدم الثقة على المؤسسات الأمنية الأفغانية، والفجوة بينها وبين الشعب يزدادان يوما بعد يوم، ولهذه المشكلة أسباب عدة.
مع أنه وفي السنوات الماضية، وتحت غطاء التدريب من قبل الأجانب ظهرت ادعاءات كبيرة بأن الجيش الأفغاني قد حصل على تدريب نسبي جيد، ولكن الحقائق الأرضية تشير بأن القوات الأفغانية، لا زالت غير مهنية، وإن أنشطتها وراء المدن الكبرى وفي مناطق كثيرة، سببت مضايقات للسكان.
إن اجراءات القوات الأفغانية ضد الشعب، وازدياد عدد قتلى المدنيين أثناء عمليات هذه القوات، أحدثت في أوساط الشعب انزجارا تجاه هذه القوات في السنوات الماضية، وبشكل أخص في الآونة الأخيرة. وكثيرا ما تمت جرائم القوات الأجنبية باسم القوات الأفغانية تحت غطاء “العمليات المشتركة”.
من جانب آخر، إن تشكيل الشرطة المحلية والتي كانت تعرف سابقا ب”المليشيات” وبخطة أجنبية مدبرة، إلى جنب مؤسستي الشرطة والجيش، ومن ثم التغاضي عما تقوم به هذه القوات من جرائم، كبّرت الفجوة بين الحكومة الأفغانية والشعب. وقد سببت هذه التشكيلة في مناطق مختلفة عداوة بين القبائل، وهو أمر يُعتبر تهديدا لأمن البلد في المستقبل.
منذ الشهور الأولى من تشكيل الشرطة المحلية ظهرت تصريحات مقلقة بشأنها من المجتمع المدني، ومجموعات شعبية ومسؤولين. ففي ولاية كندز ظهرت مخالفة شعبية لقائدين من الشرطة المحلية، هما قدير ومير علم، وفي ولاية أروزكان رُفعت أصوات ضد اثنين آخرَيْن من قادة الشرطة المحلية هما حكيم شجاعي وعبدالصمد، وكانت على هؤلاء تهم بقتل الأبرياء، من الرجال والنساء والأطفال، ولكن لم يُتخذ أي إجراء لمحاكمة هؤلاء وقد يئس السكان المحليون من تقديم الشكوى إلى الحكومة المركزية.
إن الهجوم على المدنيين من قبل القوات الأفغانية وحتى من قبل المسؤولين في الأوضاع الهادية وفي حالات الحرب، وبعض أحداث قتل في الآونة الأخيرة، ومظالم هذه القوات في المناطق البعيدة، وأنشطة هذه القوات القسرية في هذه المناطق أحدثت نفرة لهم بين الشعب الأفغاني.
وإلى جانب ذلك، فإن افتقاد القوات الافغانية للدافع الأخلاقي أثناء العمل نقص طبيعي لهذه القوات، لأن عدد كبير من هذه القوات يقضون فترات العمل في مناطق بعيدة من أجل الرواتب فقط، ولذلك لا تتم وقاية من حدوث هجمات تديرها الحلقات التابعة للأجانب في أحيان كثيرة.
تأثير المصالح والألعاب السياسية
إن حصر تشكيل هذه القوات في مجرد هياكل عرقية أوجد عدم ثقة على هيكلية المؤسسات الأمنية لكها، وإضافة إلى ذلك، عندما انتشرت شائعة أفادت أن هذه القوات بدلا من أخذ موقف وطني محايد، تميل إلى الانضمام مع جهة دون جهة للوصول إلى سدة الحكم، فقد أثرت هذه القضية سلبا على السمعة الوطنية للقوات الأفغانية.
في مرحلة حكم كرزاي وبناءً على سياسة المصالح والمشاركة الوطنية، كان قطاع الأمن قيد احتكار بعض الجهات، وقد هدّدت هذه الجهات النظام في فترات حساسة وفي بعض الأحيان اتخذت إجراءات منافية لمصالح البلد العليا. وإلى جانب ذلك فإن كون هذه القوات غير مهنية، وعدم معرفتها للطرق المهنية تؤثر على ضعف الإدارة لدى القوات الأفغانية.
إن وجود العصبية والعنصرية بين عناصر الجيش الأفغاني، روّج في أوساطه عقلية الثأر، وسبب القتل والتضييق بين المدنيين في مناطق كثيرة، ولا تُرى لسد هذه الأزمة أية إجراءات لائقة.
مع أن بعض الأفغان كانوا يتوقعون نهاية عهد حكومة المصالح والمساومات، ومعها نهاية المؤسسات غير المهنية، وكانوا يأملون إصلاح مؤسسات الحكومة الأفغانية بتشكيل الحكومة الجديدة، ولكن كما يبدو فإن الحكومة القادمة لا تعدو إلا أن تكون حكومة على أساس المصالح الذاتية والمساومات، وإن التدخل الأجنبي يريد للحكومة الأفغانية أن تستمر على النمط الذي كانت عليه.
ما لم يقطع الشعب الأفغاني يد التدخل الأجنبي من بلدهم، وما لم يرفعوا خطوات جادة على صعيد المصالحة الوطنية وإحلال السلام، فإنهم سيظلون يفتكون ببعضهم البعض وسيذهبون ضحية لمصالح الأجانب.
النهاية