أفغانستان مستاءة من عمليات باكستان في وزيرستان
قبل انقلاب عام 1978م، في أفغانستان، كانت الأنظمة الأفغانية الحاكمة مهتمة دوما بقضية القبائل التي تقع وراء “خط ديوراند”، وكانت تعتبر تدخل الحكومة الباكستانية في هذه القبائل تدخلا في شؤون شعب ينبغي أن يكون حرا، ومن هذا المنطلق كانت هذه الأنظمة تعترض على مثل هذه التدخلات. حينها كان الموقف الأفغاني يرمي إلى أن هذه المناطق الحدودية “محل نزاع” وقد فصلها من أفغانستان خط “ديوراند” والذي لا يُعتبر خطا حدوديا.
كانت الحكومة الأفغانية حينها، ترى نفسها راعية لحقوق البشتون والبلوش وحريتهم، وقد قضى عدد من زعماء هؤلاء فترة نفيهم من البلاد في أفغانستان.
حتى أثناء الحرب بين باكستان والهند عام 1971م، التي سببت انفصال بنغلاديش من باكستان، وإثر قصف القوات الهندية مناطق في إقليم سرحد، أبرزت أفغانستان قلقا للجانب الهندي، وكانت الحكومة الأفغانية تسمي هذه المناطق بـ”بشتونستان”.
السياسة الأفغانية تتغير
يبدو الآن أن موقف أفغانستان من بشتونستان قد تغير، وأن باكستان نفسها وعلى أساس رغبة سكان هذه المناطق سمّتها بـ”خيبر بشتونخاه”، أما أفغانستان فقد تركت قضية بشتونستان منذ سنوات طويلة.
لقد تغيرت الأوضاع كثيرا على مر العقود الماضية، وخلافا للماضي فإن أفغانستان بدأت تنتقد الجانب الباكستاني لعدم تدخلها في قضايا التي تجري في المناطق القبلية وتؤثر سلبا على أفغانستان. وإن أفغانستان شكت لمرات عديدة إلى الجانب الباكستاني الاضطرابات التي تصل جذورها إلى “وراء الحدود”، وتعتبر باكستان هذه السياسة الأفغانية الجديدة تلويحا من الجانب الأفغاني على قبول “ديوراند” كخط حدودي رسمي بين البلدين.
أفغانستان تنتقد العمليات الباكستانية على وزيرستان
وبناءً على هذه السياسة الأفغانية الجديدة، عندما بدأت القوات الباكستانية عمليات عسكرية واسعة في وزيرستان، رحبت بها الحكومة الأفغانية، ولم تهتم أن هذا الموقف هو تغيير في السياسة الأفغانية الموروثة والتي تقتضي حماية حق الحرية للبشتون والبلوش وراء “خط ديوراند”. بل وإن المسؤولين الأفغان يعترضون على صمت الحكومة الباكستانية، إزاء أنشطة حركة طالبان في إقليم بلوشستان الباكستاني، ويطلبون تنفيذ العمليات هناك أيضا.
الآن وبعد مضي أسابيع عدة من بدء العمليات العسكرية في زيرستان، تدعي الحكومة الأفغانية أن الجانب الباكستاني عمل تمثيلا في القضية، وتقصد بذلك أن باكستان إنما استهدفت خلال هذه العمليات حركة طالبان المعارضة لباكستان فقط، ولم تمس الشق المعارض لأفغانستان بسوء قط. ويسمي الجانب الأفغاني بهذا الخصوص “شبكة حقاني” تحديدا.
إن هذه العمليات أدّت إلى نزوح سكاني كبير، ويصل عدد النازحين من بيوتهم مليون شخص تقريبا، وعلى أساس تقارير محايدة قُتل وجُرح عدد كبير من المدنيين خلال هذه العمليات.
هل هذه العمليات تمثيلية؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نمعن النظر فيما وراء كواليس هذه العمليات. إن الهدف من هذه العمليات كان ضرب مقار ومراكز لحركة طالبان، تتبع للملّا فضل الله وتعمل بأوامره كزعيم لحركة طالبان باكستان. ويقال إن الملّا فضل الله قد لجأ إلى منطاق نائية في ولاية كونر الأفغانية.
من جانبها لا تريد باكستان أن يستقر زعماء المعارضة خارج البلد، ويتمثل القلق الباكستاني الأكبر من تواجد معارضيها خارج البلد، في إمكانية بسط النفوذ الهندي بين المعارضة المسلحة، والتي يمكن أن تقع بوساطة أفغانية.
عندما قتل حكيم الله محسود الزعيم الأسبق لحركة طالبان باكستان، ظهر الخلاف بشأن انتخاب خليفة له. وكان في وزيرستان الشمالية زعماء أقوياء يريدون هذا المنصب. ومن جانب آخر فإن حركة طالبان باكستان انشعبت إلى مجموعات كثيرة، وهذا أمر جعل الوصول إلى أي توافق عام بينهم أمرا صعبا للغاية. ولذلك طلبوا مساعدة من زعيم حركة طالبان أفغانستان الملّا محمد عمر وهو بدوره أيّد زعيم طالبان في سوات الملّا فضل الله وقد انتخب هذا الأخير بعد ذلك زعيما لحركة طالبان باكستان. وكان خان سيد سجنان مرشحا آخر لهذا المنصب ولكن ميلانه إلى المساعدة مع الحكومة الباكستانية قلّ من حظه للوصول إلى زعامة الحركة، ولم يلق قبولا لدى قادتها. حتى إن حافط جل بهادر الذي وقّع من قبل اتفاقية هدنة مع الحكومة الباكستانية خالف السيد سجنا. وعندما لم يثمر التقاتل بين سجنا ومؤيدي الملّا فضل الله بدأت الحكومة الباكستانية شن العمليات العسكرية.
العمليات منذ البداية إلى الآن
قبل بدء العمليات ببضعة أيام، أعلنت القوات الباكستانية شن هجوم عسكري على وزيرستان الشمالية. حينها طلب حافظ جل بهادر من سكان هذه المنطاق أن يتوجهو إلى أفغانستان بدلا من النزوح إلى مناطق أخرى في باكستان، وهو أمر أقلق الجانب الباكستاني أكثر من ذي قبل.
جاء الخبر بشن هذه العمليات في وقت، كانت الحدود بين أفغانستان وباكستان مفتوحة، وقد عبر قبل بدء العمليات، كثير من المدنيين إلى الأراضي الأفغانية، وانتقل مهم مقاتلون كثيرون إلى مناطق آمنة في وزيرستان الجنوبية وإلى مناطق أخرى داخل أفغانستان مثل نورستان وكونر.
يرى المحللون العسكريون أن باكستان كان عليها أن تحاصر وزيرستان الشمالية قبل إعلان العمليات، وذلك لتمنع فرار المقاتلين، وهو أمر لم تفعله باكستان. ولنفس السبب تعتبر الحكومة الأفغانية هذه العمليات “انتقائية” وبل “تمثيلية”.
وأما عن أي هجوم على “شبكة حقاني”، فينبغي القول بأن مراكز هذه المجموعة في “ميرانشا”، تخضع لسيطرة الجيش الباكستاني، والمدرسة التي أسسها مولوي جلال الدين حقاني وكانت نشطة في هذه المنطقة منذ أيام الجهاد الأفغاني ضد السوفيت، تبقى الآن مغلقة.
من جانب آخر، فإن باكستان التي حصلت على عتاد عسكري كبير من أمريكا، بعد استخدام الأخيرة لهذا العتاد في الحرب الدائرة في أفغانستان، كان عليها أن تنفذ عمليات في هذه المنطقة، ولكن فيما تدعي يوميا القوات الباكستانية انتصارات كبيرة على المتمردين في وزيرستان، لا يُسمح لوسائل الإعلام الحرة أن تنقل الواقع كما هو وبشكل محايد. النهاية