أفغانستان و 13 سنة من الحرب… خسائر فادحة وإحصاءات ناقصة

إن حرب أمريكا والناتو في أفغانستان تقترب من عامها الثالت عشر. قبل 13 سنة عندما نفّذ تنظيم القاعدة هجمات دامية في مدينتي نيويورك وواشنطن، بعدها بشهر تقريبا “في 7 من اكتوبر2001م” أصدرت أمريكا قرارا بالهجوم وبدء الغزو على أفغانستان.

مع أن أمريكا والناتو تكبدتا خسائر كبيرة في هذه الحرب، إلا أن الخسارة العظمى فيها كانت على حساب الأفغان. ولا يزال الشعب الأفغاني يذهب ضحية لهذه المعركة بعناوين مختلفة.

إن مستوى الضحايا في هذه الحرب رفيع جدا، ولكن لا يوجد هناك رقم دقيق لقتلى الجهات المشاركة والأبرياء فيها. إن عدم نشر إحصاءات معتمدة بخصوص ضحايا هذه المعركة في أفغانستان، لها عوامل كثيرة. والمنظمات الدولية كـ”يوناما”، أو منظمة حقوق الإنسان، أو منظمة العفو الدولية، كلها جهات غير محايدة وتستغل نشر أرقام الضحايا في حرب العقول ولأذهان.

من جانب آخر إن الحكومة الأفغانية لها يد طولى في الفساد، لا توجد لدى مؤسساتها القدرة، ولا الاستطاعة ولا المعايير الضرورية لإعداد الإحصاءات. والمنظمات الدولية التي تنشر الأرقام عليها رقابة أمريكية وغربية كبيرة، وهذه الدول هي التي تدفع ميزانيتها. وأما المنظمات الأفغانية التي تنشط كمؤسسات حرة، لا تكون محايدة، بل هي منحازة لجهة دون غيرها بطريقة أو بأخرى. ولذلك لا يوجد هناك مصدر دقيق لمعرفة الأرقام الصحيحة لهذه الحرب، وكل هذه الإحصاءات التي تنشر هي بعيدة عن الحقيقة ولا تمثل إلا حربا دعائية.

إن هذه الحرب كبّدت خسائر جسيمة للجهات المشاركة فيها “كالقوات الأجنبية والأفغانية وقوات المعارضة المسلحة”، ومن جانب آخر فإن الجهات المشاركة أقلبت جميعا على قتل المدنيين الأبرياء بطريقة لا هوادة فيها. وقد سببت الانفجارات، والقصف الجوي خسارة كبيرة في صفوف المدنيين إلى جانب استغلالهم كدرع بشري في القتال وذبحهم، وهي حالة مستمرة حتى الآن.

في بضع شهور الماضية ارتفع مرة أخرى مستوى الخسارة في صفوف القوات المقاتلة والأوساط الشعبية، وكثير من هذه الأحداث تحدث بسبب مؤامرات خفية.

 

هجمات القوات الأجنبية

منذ الغزو الأجنبي على أفغانستان في 2001م، إلى يومنا هذا تستمر سلسلة قتل المدنيين الأبرياء أثناء العمليات العسكرية، والهجمات الجوية والتفتيش. لقد حدث قصف حفلات الزواج، والهجوم على بيوت المدنيين، تم استهداف المدنيين عبر طائرات بلاطيّار عمدا أو بناءً على معلومات استخباراتية خاطئة. إن عددا كبيرا من المدنيين الأفغان لقوا مصرعم في عمليات القوات الأمريكية الخاصة وعددا آخر أرسل إلى السجون السرية لدى القوات الأجنبية، وهو أمر أثار سخطا شعبيا تجاه الأجانب والحكومة الأفغانية حلى حد كبير.
إن القوت الأمريكية إلى جانب ضرب مواقع المعارضة المسحلة، أقبلت من حين لآخر إلى ضرب القوات الأفغانية أيضا، وأعلنوا كل مرة ببرودة الأعصاب أنها حدث خطأ، وكان الحدث الأخير من هذا النوع في ولاية بروان قبل بضعة أيام إذ نفّذت طائرات القوات الأجنبية هجوما على مركز للشرطة الأفغانية، قتل إثره ثلاثة من عناصر الشرطة وجُرح آخر.

 

هجمات طائرات بلاطيّار

مع تأكيد بعض الجنرالات الأمريكان على ضرورة استخدام هذه الطائرات، إلا أن وقوع أحداث قتل المدنيين بنطاق واسع في عمليات هذه الطائرات منذ سنوات عدة، أثارت انتقادات لدى بعض المسؤولين الأمريكيين، ومنظمات حقوقية، وفي العمليات التي تنفذها هذه القوة الجوية حدثت خسائر كبيرة في صفوف المدنيين الأفغان وهو أمر لا زال يستمر.

في السنوات الماضية، ونتيجة لبعض الضغوط ومنها مواقف الرئيس الأفغاني، خفّضت القوات الأجنبية من وتيرة قتل المدنيين إلى حد ما، ولكن بعد أحداث أخيرة يبدو أن سلوك القوات الأجنبية رجع إلى سابقة عهده، وخلال الشهر الماض فقط قُتل مئات المدنيين الأفغان في عمليات طائرات أمريكية بلاطيّار.

قبل أسبوعين تقريبا، قتل 41 من المدنيين الأبرياء في ولاية خوست، أثناء جمعهم للمحاصيل الزراعية. مع أنه وفي بداية الأمر اعتبر حتى بعض المسؤولين المحليين أن القتلى كانوا لمجموعات مسلحة أفغانية وأجنبية، ولكن فيما بعد أكدّ حاكم الولاية أيضا أن الضحايا كانوا جميعا من المدنيين، وأن القوات الأجنبية نفّذت هذه العمليات من دون تنسيق مع قوات الحكومة المحلية.

إن هذا السلوك الشرس لدى القوات الأجنبية، أثارت في السنوات الماضية حقدا كبيرا في قلوب الجنود الأفغان، ونتيجة لها هاجم بعض هؤلاء الجنود على القوات الأجنبية، وقبل أكثر من سنتين قتلت شرطية أفغانية مستشارا في القوات الأمريكية بإطلاق الرصاص عليه مباشرة.

وفي الشهر الماض عندما قتل أثناء عمليات القوات الأمريكية في ولاية هرات أربعة مدنيين أفغان من النساء والأطفال، خرجت مظاهرة شعبية ساخطة، وتم أخذ الجثث إلى مقر الحكومة المحلية في هذه الولاية، بعدها أقبل جندي أفغاني في منطقة قرغاه على قتل أكبر جنرال أمريكي في أفغانستان وذلك أيضا بإطلاق الرصاص المباشر.

وفي نفس الوقت، وأثناء عمليات طائرات أمريكية بلاطيّار، قُتل أربعة مدنيين أفغان في ولاية لوغر وجُرح ثلاثة آخرون، وفي مديرية خاكريز في قندرها قُتل ثلاثة من المدنيين، وفي مناطق مختلفة من البلد سببت مثل هذه الهجمات خسائر في أوساط الشعب. وبعد هذه السلسلة من الهجمات على المدنيين أصدر القصر الرئاسي بيانا طلب فيه من القوات الأجنبية ايقاف هذه السلسلة فورا.

وأما القوات الأجنبية فإما تنكر حدوث هذه الهجمات وإما تقوم بتأويل الموقف وإما تقدم اعتذارا باردا، وفي المرة الأخيرة أيضا، عندما تجاوز حادث مديرية شينداند في ولاية هرات كل إمكانية التأويل، أقبل قائد قوات “آيساف” في المناطق الغربية بتقديم اعتذار إلى سكان هذه المديرية. ولكن هل من شأن اعتذار بارد أن يكون توجيها مقبولا لكارثة إنسانية كبيرة؟ وتحدث مثل هذه الأحداث رغم اتضاح الأمر في السنوات الماضية بأن القوات الأجنبية حال رغبتها تستطيع أن توقف وقوع الخسارة في صفوف المدنيين الأبرياء.

 

هدف الأجانب من قتل المدنيين

كثير من المحلليين يرون أن هدف القوات الأجنبية من ضرب المدنيين الأفغان عمدا، يكمن في إستثارة الشعب ضد الحكومة، وفي جعل الفجوة بين الطرفين أبعد ما يمكن، لأنه وبرأي هؤلاء عندما تقوم مجموعات معارضة مسلحة بالهجوم الجماعي على القوات الأفغانية، وعندما تطلب هذه القوات التعزيز الجوي من قوات “آيساف” فإن الأخيرة لا تقوم بتوفير التعزيز الجوي أو قصف المجموعات المهاجمة. ويرى هؤلاء أن قتل المدنيين رغم  وجود هذه العمليات العشاوائية، يبقى خارج صلاحية الحكومة الأفغانية.

يعتقد كثير من الأفغان بأن القصف الأعمى، وإلقاء القبض على الأبرياء وقتلهم، وإعمال البربرية مع المدنيين، عوامل وفرت قوة ورصيدا للمعارضة المسحلة في حربها مع الحكومة الأفغانية.

من جانب آخر ظهر في السنوات الأخيرة، أن وقوع الخلاف وارتفاع مستوى التعارض بين القوات الأمريكية والحكومة الأفغانية، تبعها ارتفاع في مستوى الضحايا في صفوف المدنيين بسبب عمليات القوات الأجنبية. وقد أصبحت هذه الهجمات قوة ضغط سياسية تستغلها القوات الأجنبية من أجل مصالحها السياسية.

 

القوات الأفغانية وتأسيس الشرطة المحلية

لقد توسلت أمريكا في العراق وأفغانستان إلى بث النزاعات القومية والمذهبية من أجل الحصول على أهدافها. وإن تأسيس الشرطة المحلية في أفغانستان جزء من هذه المؤامرة الأمريكية، وهذه القوة المسحلة بدورها، وبدلا من أن تقوم بمساعدة القوات الأفغانية في حربها مع المعارضة المسحلة، عملت على خط أثار السخط الشعبي، وسبب اضطرابات أمنية في مناطق بعيدة وأصبحت عاملا لقتل الشعب وايجاد القلق.

منذ أن ظهرت الميول لتأسيس الشرطة المحلية “المليشيات الحكومية”، ظهرت معها من قبل المجتمع المدني، وبعض المسؤولين الأفغان، أصوات مخالفة لها، وفي الأيام الأخيرة أيضا، اعتبر نواب ولاية فارياب في البرلمان الأفغاني أن الشرطة المحلية هي العامل الأبرز للاضطراب الأمنية وأنها سياسة فاشلة.

إن الشرطة المحلية لا تتبع قوانين الحكومة الأفغانية، ولا هي تشكلت من أناس ذوي خلفيات حسنة، ولذلك سبب هذا التشكيل الجديد تصاعدا في وتيرة العنف وقتل المدنيين.

والقوات الأفغانية أيضا فيها مشاكل عنصرية وعرقية، ونتيجة لها حدثت جرائم كثيرة حتى في المناطق التي تخضع لسيطرة حكومية.

 

المعارضة المسلحة وهجمات مشبوهة

مع أن القوات الأجنبية والأفغانية كبّدت منذ 13 سنة خسائر كبيرة في صفوف المعارضة المسلحة، ولكن التفجيرات والهجمات التي نفّذتها حركة طالبان مع بقية المجموعات المعارضة سببت خسارة كبيرة في صفوف القوات الأجنبية والأفغانية و كذلك سببت سقوط قتلى وجرحى في أوساط المدنيين أيضا.

ومن جانب آخر فقد حدثت أحداث وهجمات مشبوهة دامية باسم حركة طالبان، والتي في كثير من الأحيان نددت بها الحركة، وكانت دوما الضحية الأصلية في هذه الهجمات الأبرياء من الأفغان، ويمكن لنا أن نذكر ما حدث الشهر الماض في مديرية أركون في ولاية بكتيكا نموذجا لذلك.

يرى المحللون أن حلقات استخباراتية إقليمية ودولية تلعب الدور الأبرز خلف هذه الأحداث، ويرى هؤلاء أن المجموعات المشاركة في الحرب الأفغانية تتبع لجهات مختلفة، إلا أنه تم توجيه الأذهان والعقول تجاه حركة طالبان فقط. تقوم حلقات استخبارات غربية بإجراء هذه الهجمات عبر شركة “بلاك ووتر” وتسعى بذلك وراء أهدافها. فهناك أحداث كثيرة توضح أن الحلقات الغربية لها مجموعات مسلحة تابعة في هذه الحرب وتستغل من مجموعات أخرى أيضا.

وهكذا يذهب الشعب الأفغاني منذ 13 سنة ضحية هجمات تنفّذها الحلقات الاستخباراتية الغربية من أجل مصالحها، ويقوم الإعلام الغربي ومعه الإعلام الداخلي العميل للغرب بنشر دعايات تقلب الواقع رأسا على عقب.

النهاية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *