خسائر الحرب الأفغانية والإحصاءات الناقصة للمنظمات الدولية
إن الإحصاءات المنشورة في السنوات الأخيرة من قبل المنظمات الدولية تظهر أن أرقام الضحايا كان لها شأن دعائي فحسب. ولا توجد دراسة دقيقة حول ضحايا هذه الحرب الدائرة، فإن المؤسسات التي عملت في هذا المجال غير معتمدة لأنها كانت بطريقة أو بأخرى غير محايدة.
ويبدو من نشر أرقام الضحايا في السنوات الأخيرة، أنها كانت من أجل التلاعب مع العقول، وأنها كانت بعيدة عن الواقع. وعلى سبيل المثال إن المكتب السياسي للأمم المحتدة في أفغانستان “يوناما” تظهر دوما أن حركة طالبان هي التي تسبب وقوع الضحايا في صفوف المدنيين، مع أن وقوع الضحايا في أوساط المدنيين نتيجة لهجمات طالبان أمر واقع، ولكن الأرقام التي تنشرها يوناما بشأن ضحايا المدنيين بفعل القوات الأجنبية لا تعدو إلا أن تكون سخرية مع الوعي العام. لأن هذه المؤسسة تريد بذلك تضليل الرأي العام، وإثارة الشعب على طالبان، وتريد أيضا أن تغطي على جرائم القوات الأجنبية. والحقيقة أن القوات الأجنبية هاجمت المدنيين في مواقع كثيرة وبطريقة جماعية وسببت أكبر خسائر للمدنيين الأبرياء خلال 13 سنة مضت.
وتبقى الإحصاءات المنشورة من قبل جهات تحسب محايدة على نفس الصعيد أيضا، لأنها لم تكن نتيجة دراسة دقيقة، بل كلها أرقام مخمّنة، ولكن وبشكل عام فقد قُتل في هذه الحرب، عشرات الآلاف وجُرح مئات الآلاف.
العدالة الانتقالية
تُجري العدالة الانتقالية في مجتمعات لا تكون ظروفها الزمانية والمكانية مهيأة لإجراء العدل، ففي مثل هذه الحالات تكون العدالة الانتقالية وسيلة لإرساء العدل وتقصي الحقائق. على سبيل المثال، من المنظار المكاني تُرسل ملفات الجرائم الحربية إلى المحكمة الدولية في هولندا، ومن المنظار الزماني تتم دراسة الجرائم الحربية في أي مجتمع فور توفير الظروف اللازمة، لمحاكمة المجرمين.
وبعد سقوط حكم طالبان، تم أخذ قرار بشأن محاكمة مجرمي حروب ثلاثة عقود ماضية في أفغانستان، وكان القرار يقتضي محاكمة المجرمين من الفترات الماضية، ولكن وقع عكس ذلك وسيطر هؤلاء المجرمون على مقاليد الحكم في البلد، وفي 13 سنة مضت لم تتم دراسة أي جرائم حربية، بل تم التغافل عنها، أو التلاعب بالأرقام والملفات.
في سبتمبر 2013م، كشفت المحكمة العليا في هولندا، أسماء خمسة آلاف من الأفغان، الذين تم إعدامهم بين عامي 1978م و1979م، من قبل النظام الشيوعي في أفغانستان، ولكن لم يتخذ أي إجراء لمحاكمة هؤلاء المجرمين. وأما أرقام الجرائم ومرتكبيها في 13 الماضية غير معلومة أساسا، ويشير تقرير منظمة العفو الدولية إلى هذه الحقيقة أيضا. ويذكر هذا التقرير أن القوات الدولية ليست جاهزة للمحاسبة بخصوص وقوع الضحايا في صفوف المدنيين أثناء عملياتها، وأن جرائم حربية واضحة تم التغافل عنها ولم تتم محاكمة المجرمين.
وقد نشرت لجنة حقوق الإنسان أرقاما وإحصاءات بعيدة عن الحقيقة، وتظهر من أنشطة هذه اللجنة أنها لجنة ضد حقوق الإنسان بدلا من أن تكون لجنة للدفاع عن حقوق الإنسان. وأما أنشطة المجمتع المدني بخصوص العدالة الانتقالية كانت رهن مشارع قصيرة المدى ولم يكن لها أثر يُذكر.
ضحايا الأفغان
إن الأرقام التي تنشرها الجهات المشاركة في الحرب كـ”المعارضة المسحلة وقوات الأمن الأفغاني”، تظهر كل يوم قتل العشرات وبل المئات، ولو يتم جمع هذه الأرقام فهي تصل مئات الآلاف، ولذلك نستطيع أن نقول إن هذه الأرقام لا حقيقة لها.
وكما تمت الإشارة من قبل إن المنظمات الدولية أيضا لم تنشر الأرقام الحقيقة لضحايا هذه الحرب. وجاء في تقرير نشرته منظمة العفو الدولي أخيرا، أن القوات الأجنبية في السنوات الخمس الماضية، قتلت 1100 أفغاني بينهم نساء وأطفال. وجاء في هذا التقرير أن المنظمة درست عشر حوادث دامية في أفغانستان، بين عامي 2009م و2013م.
وتؤكد يوناما في تقريرها الأخير قتل 1560 مدنيا وجرح 3280 آخرون، خلال الشهور الست الأولى من عام 2014م.
وتظهر أرقام بعض مؤسسات أخرى، أنه وفي عام 2013م، قُتل أكثر من 3000 مدني وجرح 5600 آخرون. وتبقى السنوات مابين 2001م، و2010م، أكثر السنوات دموية، وكان وقوع الضحايا المدنية في السنوات الأولى من الحرب كثيرا جدا.
ويصل عدد قتلى القوات الأفغانية ومعها عناصر الشرطة المحلية 13 آلاف تقريبا، ولكن الحقيقة أكبر من ذلك.
من جانب آخر، لا توجد أرقام دقيقة لضحايا المجموعات المسلحة وعناصر حركة طالبان، لأنه وفي كثير من الأحيان قتلت القوات الأجنبية والأفغان المدنيين العزل باسم عناصر طالبان.
ولكن وبشكل عام وبناءً على تقارير نشرتها مؤسسات دولية، لقي عدد يتراوح ما بين 45000 إلى 65000 أفغاني مصرعهم خلال 13 سنة، ويصل عدد الجرحى مئات الآلاف.
ضحايا القوات الدولية
على أساس أرقام نشرتها وزارة الدفاع الأمريكي، قُتل 2500 جندي أمريكي، وجُرح 19000 آخرون خلال 13 سنة، ويصل العدد الإجمالي لقتلى القوات الدولية خلال هذه الفترة 3500 جندي.
ويظهر من تلك الأرقام، أنه وفي عام واحد، “2010م” قُتل 496 جنديا أمريكا، وجرح 5247 آخرون. ويُعتبر هذا العام أكثر الأعوام دموية للقوات الأجنبية، ولكن في حقيقة الأمر يفوق عدد الضحايا الأجنبية في هذه الحرب كل هذه الأرقام.
وفيما ارتفع عدد الضحايا الدولية عام 2010م، استوردت الناتو أسلحة ثقيلة إلى أفغانستان، وبدأت شن هجمات أكثر اتساعا، وهو أمر سبب تصاعدا ملحوظا في ضحايا حركة طالبان والمدنيين، ولكن تقلص هذا المستوى بعد ذلك إلى حد ما.
رغم ذلك يبدو من اللعبة الأمريكية الجارية في البلد، أن أمريكا لا تنوي إنهاء الحرب في أفغانستان، وهنا سؤالان يطرحان نفسيهما بكل قوة في ذهن كل أفغاني وهما: من المسؤول عن المأساة الأفغانية خلال 13 سنة؟ وإلى متى سيحترق الأفغان في لهيب هذه الحرب دون معرفة الفائز النافع فيها؟
النهاية