السلام الأفغاني؛ في ظل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، ووقف إطلاق النار المؤقت

اتسعت الآمال بقرب حلول السلام الأفغاني عندما انتشرت تقارير حول توقيع اتفاقية بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية لوقف الحرب الأفغانية. وقد أُعلن بعدها عن نتائج الانتخابات الرئاسية بأفغانستان والتي أسفرت عن فوز فريق “مؤسس الدولة” برئاسة المرشح محمد أشرف غني. أثار إعلان نتائج الانتخابات ردود أفعال عديدة بما في ذلك تصريحات الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي والرئيس التنفيذي للحكومة عبدالله عبدالله، مما أثار لغطا شعبيا واسعا حول مآلات الوضع السياسي في أفغانستان. وفي خضم هذه الأحداث، أُعلن عن بدء أسبوع تقليل العنف بين طالبان والقوات الأمريكية في أفغانستان يوم السبت الموافق 22/فبراير/2019م، وسنبحث في تحليل هذا الأسبوع في تأثيرات إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وأسبوع تقليل العنف على عملية السلام الأفغاني.

السلام الأفغاني

عُقدت أكثر من عشر جلسات مفاوضات بين مندوبي الولايات المتحدة الأمريكية ومندوبي طالبان للحديث حيال السلام الأفغاني. ومع كل جلسة انتعشت آمال الشعب الأفغاني تفاؤلا بقرب السلام بعد معاناة عقود من الحرب. في سبتمبر من العام الميلادي المنصرم اقترب الطرفان من اتفاق نسبي حيال السلام إلا أن تنفيذ عملية تفجير في كابل من قِبل حركة طالبان وسقوط قتيل أمريكي وعدة قتلى من المواطنين الأفغان أدى إلى إلغاء المفاوضات بين الطرفين بإعلان من الرئيس الأمريكي ترامب. وبعد توقف استمر لثلاثة أشهر أبدى الرئيس الأمريكي – في سفر له إلى كابل – تصريحات حول استئناف مفاوضات السلام، وتم الترحيب بتصريحاته على نطاق واسع.[1]

منذ ذلك الحين سعى الجانب الأمريكي في إقناع حركة طالبان بالتفاوض مع الحكومة الأفغانية مما قوبل برفض من جانب طالبان. وحينما عقدت الصين مؤتمرا حيال السلام الأفغاني داعيا للحضور مندوبي طالبان والساسة الأفغان، إلا أن الحكومة الأفغانية لم تُشارك في المؤتمر كما أنها لم تسمح لبعض القادة السياسيين بما فيهم الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي بالمشاركة في المؤتمر، متذرعة بأن الجهة الوحيدة المخولة لتمثيل الشعب الأفغاني بشكل رسمي في الخارج هي الحكومة الأفغانية، لا الشخصيات السياسية.[2]

وفي الدوحة اقتربت الهيئة الأمريكية برئاسية زلمي خليلزاد من الوصول إلى اتفاق مع مندوبي حركة طالبان الأفغانية وتم إطلاع الإعلام بالتطورات بعد كل فترة. وكان من نتائج ذلك إطلاق سراح أنس حقاني، العضو السابق بتنظيم حقاني واثنين آخرين من قادة طالبان الذين كانوا محتجزين لدى الحكومة الأفغانية، مقابل إطلاق سراح اثنان من الأجانب المحتجزين لدى تنظيم طالبان. وقد صرّح الرئيس غني بأن هذه الخطوة قادرة على تمهيد الطريق نحو الوصول إلى السلام بأفغانستان.[3]

إلا أن الحكومة الأفغانية اشترطت على طالبان أن يُعلن عن وقف إطلاق النار للتفاوض، مما اعتُبر من قِبل عدد من القادة السياسيين الأفغان – بما فيهم الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي – عرقلة لمسير عملية السلام.[4]

في شهر يناير من العام الجاري أبدى وزير الخارجية الباكستاني محمود قريشي تصريحات حول قبول تنظيم طالبان لمقترح تقليل العنف، وعد ذلك خطوة إيجابية. كما سبقه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مصرحا أن على طالبان أن تلتزم بمقترح تقليل العنف إذا أرادت أن تُثبت صدق إرادتها للسلام، وقد رد تنظيم طالبان على تصريحه بأن هناك العديد من المطالبات التي تخلق عقبات في طريق إحلال السلام.[5]

بعد تصريحات قريشي واقتراب المفاوضات بين جانب طالبان والجانب الأمريكي من الوصول إلى نتائج، برز مصطلح “تقليل العنف” والذي عُدّ من قبل المتحدث باسم الرئيس الأفغاني صدّيق صدّيقي والنائب الثاني للرئيس الأفغاني مقترحا غامضا، مع تأكيدهما على وقف إطلاق النار كحلٍّ وحيد.

وفي 12/فبراير من العام الجاري أعلن ترامب الاقتراب من الوصول إلى نتائج مع طالبان حيال السلام، وقد أنعش ذلك الآمال بقرب السلام على نطاق واسع. وفي المجلس السنوي لدول حلف الناتو والذي عُقد في مدينة ميونيخ الألمانية التقى الرئيس الأفغاني غني بوزير الخارجية الأمريكية ورئيس الوفد الأمريكي الخاص للسلام الأفغاني زلمي خليلزاد وتم إبداء العديد من التصريحات حيال خطوة الولايات المتحدة الأمريكية المتبنية لتقليل العنف. إلا أن قائد حلف الناتو أخبر عن تنظيم قوات الناتو في أفغانستان في حال التزام حركة طالبان بتقليل العنف، ولم يوضح هل سيتم سحب القوات الأجنبية من أفغانستان أم لا.

نتائج الانتخابات الرئاسية

بعد وقفة استمرت لخمسة أشهر، أعلنت المفوضية المستقلة للانتخابات الأفغانية نتيجة الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل، وتضمنت النتيجة الإعلان عن فوز محمد أشرف غني في الانتخابات بحصوله على نسبة 50.64% من مجموع الأصوات. قبل الإعلان عن النتائج هدد الفريق الانتخابي المنافس “فريق الثبات والتعايش” بتشكيل حكومة موازية في حال حصول تزوير في نتائج الانتخابات، وعندما أُعلنت النتائج أعلن د. عبدالله عبدالله المرشح المنافس لمحمد أشرف غني أنه هو الفائز الحقيقي في الانتخابات، كما أعلن عن تشكيل حكومة شاملة.

أبدى الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي وعدد من الشخصيات السياسية الأفغانية الأخرى تصريحات حيال النتائج المُعلنة للانتخابات الرئاسية، وعدّوا الانتخابات المنعقدة حجرا عثرة في طريق الديمقراطية والسلام بأفغانستان، كما صرّح كرزاي بأن ما يحتاجه الشعب الأفغاني في الفترة الراهنة هو السلام، لا عقد انتخابات رئاسية بمشاركة فئات شعبية ضئيلة.

لم يُهنئ محمد أشرف غني بالفوز في الانتخابات الرئاسية سوى رؤساء دولة الكويت والهند وأحد أعضاء الاتحاد الأوروبي، وقد وعد الاتحاد الأوروبي بالدعم الواسع والعمل المشترك في المستقبل مع الحكومة الأفغانية مما قوبل بردّ حاد من د. عبدالله عبدالله.

وقد أثار إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية قلق الشعب الأفغاني، وخلق توجسات حيال غموض ما ينتظر الشعب من أحداث في المستقبل، حيث إن رشيد دوستم عضو فريق المرشح د. عبدالله عبدالله طالب الدكتور عبدالله بإعلان ولاة الولايات الشمالية، وبالنظر في الأوضاع المتأزمة المخيمة  على أفغانستان تظهر أمارات مؤامرة خطيرة يتوجب على القادة الأفغان أن ينتبهوا لها، وذلك لأن تقسيم السلطة سيؤدي إلى انقسام الشعب، الأمر الذي كان يذكره دائما مندوبو الدول الأجنبية في أفغانستان وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية.

أسبوع تقليل العنف

الجمعة الماضية أُعلن عن بدء أسبوع تقليل العنف من قبل طالبان والولايات المتحدة الأمريكية. وقد وجّهت الحكومة الأفغانية وحركة طالبان قواتها باتخاذ حالة الاستعداد للدفاع، وعدم شن الهجمات، كما سمحت حركة طالبان باستخدام شبكات الهاتف اللاسلكي لمدة 24 ساعة في اليوم.

إلا أن الحكومة الأفغانية أعلنت أن قواتها ليست فقط في حالة دفاع تجاه حركة طالبان، وإنما ستستمر كذلك في شن هجماتها على الجماعات الإرهابية بما فيها تنظيم داعش. وفي الوقت الذي بدأ فيه أسبوع تقليل العنف وهو أمر أكدت عليه الولايات المتحدة الأمريكة فإن شن الهجمات ضد ما سُمي بالجماعات الإرهابية – التي لا تُشكل خطرا كبيرا على الشعب في هذه الفترة – قد يضع معوقات كبيرة أمام عملية السلام. وذلك أن هناك جهات داخل وخارج أفغانستان تستفيد من الحروب المستعرة في أفغانستان لصالحها وتسعى للإخلال بمبادرة تقليل العنف وخلق جو عدم الثقة بين الأطراف المتحاربة.

من جانب آخر فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن أسبوع تقليل العنف يُعد خطوة إيجابية في مسيرة عملية السلام، كما أن القائم بأعمال السفارة الأمريكية في كابل راس ويلسن أشاد كذلك بأسبوع تقليل العنف في تغريدة له على تويتر، وأضاف أن السلام بحاجة إلى الكثير من الجهود الحثيثة الأخرى. ومن هذه التصريحات يظهر أنه لا توجد مؤشرات تدل على قرب السلام حقيقة، وأن هناك حاجة للمزيد من الجهود حتى يحل السلام بالبلد.

النتائج

في الوقت الذي يتحدث فيه الجانب الأمريكي عن تطور مفاوضات السلام مع تنظيم طالبان، فإن قادة حكومة الوحدة الوطنية ضالعون في منازعات حادة حيال السلطة. وهذا النوع من النزاع قد يُضعف الإجماع الوطني حيال السلام كما أنه كفيل بعرقلته.

من الضروري حاليا أن تُترك المنافسات والنزاعات حيال السلطة جانبا، وأن تُبذل الجهود نحو تحقيق السلام الذي هو أكبر أماني الشعب الأفغاني. وفي ظل بدء أسبوع تقليل العنف، على جميع الأطراف أن تلتزم بالسلمية. كما يتوجب على دول المنطقة والمجتمع الدولي أن تعمل على خلق جو من الثقة وتساند الشعب الأفغاني وأن تكشف الستار عن الجهات التي تسعى نحو مصالحها عبر الإخلال بعملية وقف إطلاق النار لأجل إفشال مبادرة السلام.

كما على القادة الأفغان أن يلعبوا دورا وسيطا حيال نتائج الانتخابات الرئاسية وأن تُجنب أفغانستان من تأسيس حكومة موازية أو أي نوع آخر من التمرد الذي يعرق عملية السلام. وإذا استمرت النزاعات حيال نتائج الانتخابات الرئاسية فليس بعيدا أن تضيع فرصة السلام القائمة وتشتد أوار الحرب في البلد مرة أخرى.

====================================================================================

منابع:

[1] https://www.nbcnews.com/news/world/trump-says-taliban-talks-back-months-after-declaring-them-dead-n1093206

[2] https://da.azadiradio.com/a/30289294.html

[3] https://www.dailymail.co.uk/news/article-7701351/Taliban-releases-two-American-University-teachers.html

[4] https://www.bbc.com/pashto/afghanistan-51165958

[5] https://www.bbc.com/pashto/afghanistan-51135499

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *